الله نور السموات والأرض ... أرض فلسطين المباركة

تفسير وأحكام وقصص من القرآن الكريم

المشرف: manoosh

أضف رد جديد
د نبيل أكبر
عضو نشيط
عضو نشيط
مشاركات: 54
اشترك في: الجمعة أكتوبر 07, 2011 4:06

الله نور السموات والأرض ... أرض فلسطين المباركة

مشاركة بواسطة د نبيل أكبر » الأحد يناير 22, 2012 2:53


[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم



أبين في هذا المقال أن مثل نور الله تباركت أسمائه وتلألأت أنواره الذي جاء في الآية الخامسة والثلاثين من سورة النور:


اللهُ نُورُ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ كمشكاة فِيهَا مِصْبَاحٌ، الْمِصْبَاحُ فى زُجَاجَةٍ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَرَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، نُّورٌ عَلى نُورٍ، يَهْدِى اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ، وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَلَ لِلنَّاسِ، وَاللهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ {35}



هو أرض فلسطين المباركة وما حولها



فهنيئاً لأهلها وشهدائها هذا الشرف الإلهي العظيم.


بسم الله الرحمن الرحيم

سُورَةٌ أَنزَلْنهَا وَفَرَضْنهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا ءايتٍ بَيِّنتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {1}
الزَّانِيَةُ وَالزَّانى فَاجْلِدُوا كُلَّ وحد مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فى دِينِ اللهِ
إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الـءـاخر وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ {2}




غُمُوضٌ شديدٌ في سورةِ النور وتناقضٌ مُحيِّر. فاسمُها {النور} والذي من معانيه التقَدَّسُ والطهارةُ، ولكنها تُسْتهَلُ في الآيةِ الثانيةِ منها بأحكامِ الزنا. فأيُّ تعارضٍ صارخٍ؟ وما الحكمةُ منه؟

فمن مُستهلِ السورةِ إلى منتصفها جاء الحديثُ عن موضوع الفاحشةِ وأحكامِها وعن حادث الإفك المُتصلِ بالموضوع وهو الذي رُميت به عائشة رضي الله عنها. ثم جاء ذِكرُ أمورٍ عديدةٍ تتعلقُ بالفاحشة وطُرقِ إزالتها وأسبابها ومنافذها. ولكن بعد ذلك فجأة وفي قرابةِ النصف الثاني للسورة تأتي آية 35 وهي آيةُ النور العظيمة: اللهُ نُورُ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضِ، ...!

فيحتارُ المرءُ هنا من الانقلاب الواضح في السياق، فلماذا؟ وما هي الصلة بين هذه المواضيع؟


كما تُستهلُ السورة بـ : سُورَةٌ أَنزَلْنهَا وَفَرَضْنهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا ءَايَتٍ بَيِّنتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {النور: 1}.

وهذه السُورةُ الوحيدةُ من المُصحفِ والتي تُسْتهَلُ بكلمة {سُورة} فلمَ؟

كما أنَّها سورةٌ منزلةٌ ومفروضةٌ من عنده تعالى كغيرها من السور فلماذا ذُكِرَ فيها أنَّها "مفروضة" من دون غيرها من السور ... أليست السورُ الأخرى مفروضةً أيضاً؟

كما إنَّ مفردات وعباراتِ السورةِ تختص بالبيان والوضوح والتجلي بما لا نظير له في القرآن. فقد جاء ذكرُ الـ {ءَايتٍ بَيِّنتٍ} في ستِ مراتٍ في السورةِ كما يلي:

الآية الأولى: سُورَةٌ أَنزَلْنهَا وَفَرَضْنهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا ءَايَتٍ بَيِّنتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)

ثم في الآية 18: وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الـءـايتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)

ثم في الآية 34 : وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءايتٍ مُّبَيِّنتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (34)

ثم في الآية 46 : لَقَدْ أَنزَلْنَا ءايتٍ مُّبَيِّنتٍ وَاللهُ يَهْدى مَن يَشَاء إِلى صِرطٍ مُّسْتَقِيمٍ (46)

ثم آخر الآية 58 : .... كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الـءـايتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)

وأخيراً في آخر الآية 61 : ... كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الـءـايتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون (61)


وفي إشارةٍ إلى نور الظهيرة الوهَّاج:

وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْملُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمـءـانُ مَاءً ... {39}
فالسرابُ يحدث في الظهيرة وعندما يكون النورُ شديداً ...

وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ ... {58}

وجاء ذكرُ "أولي الأبصار"، وهم الذين يرون الأشياء بوضوح وبيانٍ تام:
يُقَلِّبُ اللهُ الَّيلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلى الْأَبْصرِ {44} ...


ثمَّ تأمل في التكرار المثير للعبارات الخاصة بالشهادة بشكلٍ ملفت للنظر في السورة:
... وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ... {النور: 2} ...
ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ... وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَدَةً أَبَدًا ... {النور: 4} ...
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَدَتٍ ... {6} ...
أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَدَتٍ بِاللهِ ... {8} ...
لَولا جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ ... {النور: 13} ...
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ ... {24} ...


وذلك لأنَّ الشهادة بحدِّ ذاتها تعني الوضوح والبيان. ففي الحديث النبوي الشريف أشار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الشمس وقال: على مثلها فاشهد. أي يجب أنْ تكون متأكداً من شهادتك كما أنَّك ترى الشمس عياناً بياناً ...


كما ترددت كلمات النور وما يرادفها في المعنى في السورة (بما في ذلك اسمها وآيةُ النور العظيمة) : ... وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ {40} ... يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبصر {43}


فكلمة {النور} أو أحدَ تصاريفِها {نُور، نُورَه، بِنورِ، نُوراً، نُورَهم، نُورَكم، نُورَنا، بِنُورِهم} وردتْ 43 مرةً في المُصحفِ كما يلي: النور (7)، الحديد (6)، المائدة (4)، البقرة والأنعام (3)، التوبة، إبراهيم، الزمر، الصف، والتحريم (2) ومرة واحِدة في كُلٍّ من النساء، الأعراف، يونس، الرعد، الأحزاب، فاطر، الشورى، التغابن، الطلاق، نوح.


أي إنَّ سُورةَ النور حازت على أكبر عدد منها ...

وترددَ اسمه تعالى الـ {عَلِيمٌ} فيها كثيراً في إشارةٍ أيضاً إلى النور:
وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {النور : 18} ...
وَاللهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ {35} ...
وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {58} ...


والسورةُ ذاتُها تُختتمُ بكلمةِ {عَلِيمٌ} لأنَّ العلمَ نورٌ وبيانٌ .... وَاللهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ {64} ...



والآن وبعد استعراضٍ لآيات السورةِ ومعانيها الدّالةِ على النور والبيان والشهادة والعلم والإبصار بشكل كبير ... نعودُ لسؤلنا في مطلعِ هذا الفصل: ما هي الـ {ءَايتٍ بَيِّنتٍ} المنيرة في هذه السُورةِ الكريمةِ التي تحملُ اسمَه تعالى {{ النور }}؟ ولماذا هي "بَيِّنتٍ"؟

ولماذا تناولت السورة قضية الزنا والإفك ثم قضية نور السموات والأرض؟ وما هي الصلة بين هذه المواضيع المتناقضة؟


سنجيبُ على هذه الأسئلة تالياً من خلال منظورِنا في التفسير، أي من خلال السنةِ الكونية بإخراجِ الشيءِ من ضِدِّهِ. فكما إنَّ الحيَّ يخرجُ من الميت، فالنورُ في النصف الثاني من السورةِ يعاكس الظُلُمات المُتمثلةِ بآيات الإفك في النصف الأول منها.

ليس هذا وحسب، ولكن سأبينُ تحديداً مشكاة النور التي وردت في الآية الخامسة والثلاثين من السورة ... وهي مبينةٌ واضحةُ المعالمِ ومذكورةٌ من أولِ كلمةٍ في السورةِ ... فلنبدأ إذن ...


فقد بيَّنا في أماكن أخرى من بحثنا أنَّ كلمتي "أرض" و "سُورة" صِنْوانِ مترادفان في المُصحفِ الشريفِ ... فاسم "سورة" مشتقٌ أساساً من السور الذي يحيط بقطعة أرض ... فـ "سورة" تعني "أرض" والعكس صحيح ...

فكما تُزيَّنُ وتُثرى الأرضُ بالثمراتِ والأنهار والجبالِ والبحار، فإنَ السُورَ تُزيَّنُ وتُثرى بالحِكَم والعِظاتِ والقصصِ الجميلةِ ... وكما توجد الأراضي المُتجاورةُ بِصفاتٍ وتضَاريسَ ومناخات ومَساحاتٍ مُتمَايزةٍ، ولكُلٍّ منها سُورٌ ورقمٌ مُحَدَدَّينِ، فسُورُ المصحفِ توجدُ أيضاً متجاورةً بصِفاتٍ وأطوالٍ مُتمايزة ....

وبما أنَّ كلمتي "سورة" و "أرض" مُترادفتان فيمكنُ إذاً استبدالُ إحداهما بالأخرى. بهذا فإنَّ:


سُورةَ النورِ = أرضَ النورِ



فما هي " أرضَ النورِ " وأينَ تقعُ؟

لو أكملنا بحثنا عن الـ {ءَايتٍ بَيِّنتٍ} في السورةِ نَجِد أنَّه في الآيةِ 34 :

وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءَايَتٍ مُّبَيِّنتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ

فإذا نظرنا إلى الآيةِ التاليةِ لنبحثَ عن هذه الـ {ءَايتٍ بَيِّنتٍ} نَجِدُ الآيةَ العظيمةَ 35 والتي هي مِحْورُ السُورة كلِّها ...

اللهُ نُورُ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ كمشكاة فِيهَا مِصْبَاحٌ، الْمِصْبَاحُ فى زُجَاجَةٍ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَرَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، نُّورٌ عَلى نُورٍ، يَهْدِى اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ، وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَلَ لِلنَّاسِ، وَاللهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ {35}


فما هي الـ {ءَايتٍ بَيِّنتٍ} في هذه الآيةَ العظيمةَ؟ فلنبحث إذن؟


اللهُ نُورُ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ: مَثَلُ نُورِهِ: أين؟ في تصوراتنا؟ هذا مقبول، ولكن إذا كان سُبحانَهُ نورَ السمواتِ والأرضِ، فمن الأولى أنَّ عبارةَ " مَثَلُ نُورِهِ" تعني أنَّه تبارك وتعالى يضربُ لنا مثلاً لنوره من الأرضِ، خاصَّةً إذا علمنا أنَّ سُورةَ النور هي الوحيدةُ في المُصحفِ والتي تبدأ بكلمةِ "سُورة" والتي ترمز كما أسلفنا إلى "أرض".

فالمثل يكون أبلغاً في التوضيح والبيان والحجة إذا ما تجسد وظهر ...


فيصبح معنى العبارة إذن: {اللهُ نُورُ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ في الأرض} .


إذاً لنبحثْ عن مَثَلِ نورِهِ سُبحانَهُ في الأرض ...

إذا نظرنا إلى خريطةِ الأرضِ، نجِدُ جزأين أسَاسِيينِ. الأوَّلُ هو مجموعُ القاراتِ أسيا وأوروبا وأفريقيا والثاني يمثلُ الأمريكيتين. الجزءُ الثاني هو الأمريكيتين.... بهذا التعريفِ للأرضِ لِنُكْمِل بحثنا عن الآياتِ البيناتِ في الآيةِ المحوريَّةِ 35 ...


مَثَلُ نُورِهِ كمشكاةٍ : المشكاةُ حُفرةٌ في الحَائطِ يُوضَعُ فيها (المصباحُ) لتزدادَ إنارتَه. إذا نظرنا إلى خَريطةِ الأرضِ وقاراتها كما لو كانت حَائطاً واحداً وبَحثنا عن "حُفرةٍ" بها - أي مشكاة - لوجدنا أنَّ أكبرَ حُفَرِِِها هو حوض البحر الأبيضِ المتوسط. فهذه هي المشكاة في الأرض ...


فِيهَا مِصْبَاحٌ: في الحقيقةِ، هذه المشكاة تشبهُ في شكلِها في الحقيقةِ المصباحَ – نورٌ ولهيبُ شمعة – ...

فيكونُ رأسُ المصباحِ (الشمعةِ) هو مناطقُ فلسطينَ والشامِ، بينما قاعدةُ المصباحِ (الشمعة) عِند مَضيقِ جَبل طارِقْ، إذ يتصلُ ماءُ البحرِ "الأبيضِ المتوسط" بماءِ المحيطِ الأطلسي عن طريق مَمَرٍ ضيقٍ (فَتِيلةٍ) ، والذي يَمدُّ المصباحَ بالوقودِ ألَّانهائي ...


الْمِصْبَاحُ فى زُجَاجَةٍ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ: الزجاجةُ هي رِمالُ شواطئِ البحرِ الأبيضِ المتوسطِ، وهي متميِّزة في الحقيقةِ عن غيرِها من الشواطئِ بكونِها رَمْليَّةً جِيريَّةً بيضاءَ لامِعَةً دُريَّةً، ولِذَا سُميَّ البحرُ المُتوسِطُ بـ (الأبيضِ) من قِبِلِ العُثمانيين. وكحَقِيقَةٍ علميةٍ فإنَّ مادةَ الزجاجِ والرملِ يتشابهان من حيث أنَّهما يتركبانِ أساساً من عُنْصُر السيلكون ... فالزُجاج ما هو إلا رملٌ مَصْهُورٌ ومُصَاغٌ ...


يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَرَكَةٍ زَيْتُونِةٍ: ومن المعْلُوم أنَّ شجرةَ الزيتونِ تنبتُ طبيعيَّاً وبوفرةٍ على محيطِ هذا البحر من المغربِ العربيِّ وإسبانيا غرباً إلى فلسطينَ والشامِ شرقاً ...


لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ: وهذه العبارةُ تُحَدِدُ مَركزَ هذا النورِ تماماً بالنسبة للقاراتِ الثلاث (الأرض). فهيَ ليستْ شرقيةً بالنِسْبةِ للأرضِ فتقعُ في الصينِ أوسيبيريا مثلاً. وهيَ ليستْ غربيَّةً بالنِسْبةِ للأرضِ فتقعُ في إسبانيا والمغربِ العربيِّ ... فلابدَّ وأنْ تكونَ هذه الأرضُ في المُنتصفِ الجُغرافيِّ، فهي بالتحديدِ أرضُ فلسطينَ المُباركةِ إذاً ...


يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ: وزيت شجرة الزيتون وخشبها معروف بشدة لمعانه وجماله عند الإشتعال.


نُّورٌ عَلى نُورٍ:

فهذه الأرض نورٌ لأنها مباركة من عنده تعالى، وعليها يسكن أهل فلسطين المباركين ببركة هذه الأرض ومائها وما عليها وما تحتها ... فسكانها نور يسكن على نور هذه الأرض المباركة.

يَهْدِى اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ، وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَلَ لِلنَّاسِ، وَاللهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ {35} ...


فمثلُ الله تبارك وتعالى في الأرض مثل مُبينٌ واقعٌ حي نابض وملموس ... فكُلَّ ما عليك للتأكدِ مما ذهبنا إليه، هو النظرُ إلى الخريطةِ لتجدَ أنَّ أرضَ فلسطينَ المباركة هي التي تُحققُ الآيةَ الكريمة تماماً، فهي في رأسِ الشمعةِ (المصباح) والذي هو البحر الأبيضُ الدري المتوسطُ، والذي تتكونُ شواطئُه البيضاءُ من الحجرِ الجيري المتلألئِ ،


وتقعُ (فلسطين) أيضاً في أحدِ مصادرِ الزيتونِ في العالمِ، وهي ليست شرقيةً ولا غربيةً، بل تقعُ تماماً في وسطِ القاراتِ الثلاث ... هي في قلب الشرق الأوسط ، الذي هو في قلب الأرض ...

هذه الأرضُ المباركةُ هي مثلُ اللهِِ تباركَ وتعالى في الأرضِ ... ولهذا هي مباركة ... وهي آيةٌ بيِّنَةٌ كما النور يتلألأ من بطون الظلمات ... وكما الطهارةُ نقيةٌ ناصعة البياض تبانُ وتظهرُ من بطون الخطايا والرذيلات ...



ومدينةُ القُدس تقعُ في مركز هذه الأرض المباركةِ ولذلك فاسمها مُشتقٌ من طهارةِ ونورِ الأرض ... وحولها جبلُ الطورِ الذي أقسمَ به عزَّ وجلَّ ... وبه تجلى سُبحانَهُ لمُوسَى عليهِ السلام ... وهي الأرضُ التي كثيراً ما وردَ في المُصحفِ أنَّها مباركةٌ ... بل إنَّ جبلَ الطورِ ذاتَه هو رمزُ اللهِ تعالى ومثله بين الجبالِ كما بيَّناه عند دراسةِ سُورةِ الطور ...


فتأمل في قوله تعالى في الآية 8 من النمل:
إِذْ قَالَ مُوسَى لأهْلِهِ إنِّى ءانَسْتُ نَاراً سَـءـاتيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ ءاتيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ {7} فَلَمَّا جَاءهَا نُودِى أَن بُورِكَ مَن فِى النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسبحن اللهِ رَبِّ الْعلمينَ {النمل:8}


والآية 71 من الأنبياء:
وَنَجَّيْنهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتى برَكْنَا فِيهَا لِلْعلَمِينَ {الأنبياء: 71}

... فهي إذن نور وبركة وقدسية للعالمين ... كيف لا وهي مثل نور الله تبارك وتعالى في الأرض.


بل ومراجعةً لتواريخِ الأُمَم والحضاراتِ، نَجِدُ أنَّ الأُمَّة المُسيطرةَ على العالم في زَمَنِها لابدَّ وأنْ تكونَ هذه الأرضُ المقَدَّسةُ تحت سيطرتِها وإدارتها. فكما هو الحالُ الآن يسيطرُ اليهودُ والأمريكانُ عليها وعلى العالم كلَّه، ومن قبلهم بريطانيا والعثمانيون والعباسيون والأمويونَ والرومان، وهكذا كان الوضعُ لجميع الأُمَمِ التي سيطرتْ على العالم في الحضاراتِ السابقةِ ...


فمن سيطر على القدس، سيطر على العالم ... لذلك نجد أنَّ الغرب زرع الدولةَ الصهيونيةَ، ليس للتحكم بفلسطين وحسب، بل للتحكم في العالم كلِّه من خلال نورها وبركتها ومركزيتها ... كيف لا وهذه الأرض المباركةُ هي مثل الله تبارك وتعالى في الأرض؟


وهذه الأرض آية مبينة لأنَّها أرضُ فلسطينَ التي تُرَى وتَبانُ لكلِ العالمين ... فهي في وسَطِ الأممِ وقَلبِهم بأحداثِها التاريخيَّةِ والسياسيَّةِ والدمويَّةِ .... فهي مُبينةٌ بالمعنى الحرفيِّ للكلمات ... فهل خلت الأخبار يوما واحدا من أخبار فلسطين وأهلها ؟

بل إنَّ هذه الأرضَ وعلى مدار التاريخ كانت ولا تزالُ ً تُرْوَي بدماءِ الشهداءِ وهم من خيرةَ أهلِ الأرضِ، فكأنَّ دمائَهم الزكيةَ الطاهرةَ تُنيرُ نورَ الله تعالى في أرضهِ.


بهذا التحليل السابق نجيبُ الآن على الأسئلة التي قدمناها عند بداية دراسة الموضوع:

أولاً:

هذه السُورةُ الوحيدةُ من المُصحفِ المستهلةُ بكلمة "سُورة" لأنَّ كلمة "سورة" تعني "أرض" ولأنَّها "سورة النور" يكون معنى اسم السورة هو "أرض النور" .... وأرض النور هذه تم تحديدها بالدقة في آية النور العظيمة الخامسةِ والثلاثين ...

ثانياً:

لم يأتِ ذِكْرُ فرضِ سورةٍ بعينها إلا هنا في سورةِ النور {سُورَةٌ أَنزَلْنهَا وَفَرَضْنهَا} لأنَّ "سورة النور" أي "أرض النور" مفروضة على الناس ... فأرض فلسطين وقضيتها كانت ولا تزال ولن تزال شغل الناس الشاغل، من سياسيين إلى مفكرين إلى عسكر إلى عامة الناس ...

ثالثاً:

جاء ذكرُ الـ {ءَايتٍ بَيِّنتٍ} في الآية الأولى وفي الآية 18 ثم في الآية 34 في إشارةٍ إلى أنَّها أي الـ {ءَايتٍ بَيِّنتٍ} بينات بنورها وهو ما أثبتناه إذ وضحنا أنَّ آية النور العظيمة 35 {الله نور السموت والأرض ...} إنَّما تحدد تماماً أرض فلسطين المباركة المنيرة المقدسة ... فهي بينة تماماً ...

رابعاً:

تُسْتهَلُ سورة {النور} والذي من معانيه التقَدَّسُ والطهارةُ بذكر الإفك في إشارةٍ وتأكيدٍ للسنةِ الكونية المتمثلة بإخراجِ الشيء من ضده، فكما إنَّ الحيَّ يخرجُ من الميت، فالنورُ يخرجُ من الظُلُمات والهدى من الضلالات ...

لهذا تحديداً، أي لإخراج النور من الظلمات وتخصص هذه السورة في هذا الشأن، نجد أنَّ الظلمات الشديدة ارتبطت بالنور في الآية 40 من السورة:

أَوْ كَظُلُمتٍ فى بَحْرٍ لُّجى يَغْشاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ
إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ


[/align]

Red-rose
صديق المنتدى
صديق المنتدى
مشاركات: 58338
اشترك في: الأحد سبتمبر 28, 2008 1:33

رد: الله نور السموات والأرض ... أرض فلسطين المباركة

مشاركة بواسطة Red-rose » الأحد يناير 22, 2012 2:56

جزاك الله كل خير هذه المعلومات القيمه و على هذا الطرح الرائع

د نبيل أكبر
عضو نشيط
عضو نشيط
مشاركات: 54
اشترك في: الجمعة أكتوبر 07, 2011 4:06

رد: الله نور السموات والأرض ... أرض فلسطين المباركة

مشاركة بواسطة د نبيل أكبر » الاثنين يناير 23, 2012 7:01

أختي الكريمة Red Rose

أقدر لحضرتك مرورك الكريم وكلماتك العطرة

جعله تبارك وتعالى في ميزان حسناتك مضاعفا ... آمين


أضف رد جديد

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 36 زائراً