ابن تيمية فكره واسلوبه واثره
مرسل: الاثنين نوفمبر 06, 2017 5:56
سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله اللهم صل على محمد وال محمد
ابن تيمية فكره واسلوبه واثره
من اكثر الذين اختلف العلماء في تقييمه هو ابن تيمية وذلك لانه درس الفلسفة واعتمدها في اسلوبه في الكلام اكثر من اتباعه لاسلوب الصحابة رضي الله عنهم والعلماء الذين اتبعوهم في طريقة الكلام في المسائل الشرعية وبسبب اعتماده لهذا الاسلوب في الكلام صار من الصعب على القارئ تمييزالبدع والاخطاء التي جاءت في كلامه وذلك لانها ترد محشوة في ثنايا الكلام الصحيح الذي يورده وسأبين هذه الاساليب وابين قسما من اخطاءه
الفصل الاول
البدع التي جاء بها ابن تيمية
البدعة الاولى
اطلاقه لمصطلح السلف ووجوب حصرفهم القران الكريم والسنة النبوية بفهمهم بغير ضابط وهذا لا اصل له في الشريعة وابين هذا فيما يلي
اولا :- قال الله سبحانه وتعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة100
فجاء قول الله سبحانه وتعالى ( اتبعوهم ) وليس ( تبعوهم ) فالمتبع ليس كالتابع فالاتباع هو السيرعلى المنهج الذي سلكه السابقون الاولون وذلك بان يكون المتبع مؤمنا تقيا صادقا صالحا متفكرا متعقلا متفقها قاصدا للحق مجتهدا بعقله لفهم المسائل الشرعية ولذلك قال الله تبارك وتعالى ( باحسان ) اما التابع فهو اخذ قول القائل بغير تعقل حتى لو كان مخالفا للمعقول وهذا ما ذهب اليه ابن تيمية ويحتج به ودعا اليه ضمنا وتصريحا وهذا مالم يأمر به الله سبحانه وتعالى ونهى عنه فهذه الدرجة من السمع والطاعة لا تجوز الا لله ورسوله
ثانيا :- لقد امر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده وليس كل احد فغيرهؤلاء لم يامر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعينهم بالذكر ليكونوا خلفاء له ولكن من خلال وصفه لهم ومن خلال بيان منزلتهم واستشارته لهم عرف بقية الصحابة رضي الله عنهم اولويتهم للخلافة ولو ذكرهم بالنص لوجبت طاعتهم كطاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ترك معرفتهم للاجتهاد حتى لا يكونون هم والنبي صلى الله عليه وسلم سواء في وجوب الطاعة فالنبي صلى الله عليه وسلم وحده من تجب طاعته طاعة مطلقة ولا يجوز رد ما جاء به وقد اجمع اهل السنة على ان الخلفاء الاربعة منهم وقد يقول قائل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عين عليا رضي الله عنه وقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه فاقول ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعينه خليفة له بعد موته ولكنه امر بموالاته في حياته فكانت ولاية علي رضي الله عنه محكومة بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فمقامها كمقام الامراء الذين يبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم وكالذين يخلفهم على المدينة في غزواته وكمن كان يفتي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كابي بكر وعمر رضي الله عنهما وان الطاعة المطلقة توجبها العصمة والعصمة توجبها النبوة والنبوة يوجبها الوحي فاذا انقطع الوحي انعدمت العصمة والنبوة وان ما اوجبت ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم اولى بالمؤمنين من انفسهم هي النبوة وان النبي صلى الله عليه وسلم اكد على موالاة علي رضي الله عنه ولكن عليا رضي الله عنه ليس نبيا ولذلك عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه في حديث اخر اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى ولان المقارنة كانت مع نبي قال النبي صلى الله عليه وسلم بعدها الا انه لا نبي بعدي أي انك لست قرينا له في النبوة فكانت ولاية علي رضي الله عنه غير مقترنة بالعصمة فهي كولاية غيره من كبار الصحابة رضي الله عنهم وكان بود النبي صلى الله عليه وسلم ان يعين خليفة له حرصا منه للحفاظ على وحدة المسلمين ولكن تعيينه للخليفة يوجب طاعة الخليفة طاعة مطلقة كوجوب طاعته وهذا ما لا يصح مع انقطاع الوحي ولذلك لم يعين النبي صلى الله عليه وسلم خليفة له
ثالثا :- لم يحدد ابن تيمية من هم السلف الذين اوجب ان يفهم القران الكريم والسنة بفهمهم سوى انه يذكرعددا من بين مئات العلماء ولم يضع ضابطا لتعيينهم الا ضابطا واحدا وهو رأيه فيهم وبالتالي يكون الاتباع لرأيه هو وليس لسند او دليل شرعي وكثيرا من العلماء الذين خصهم ابن تيمية بجوب الفهم بفهمهم مختلفون في مسائل العقيدة والفقه ومن بين ما تبعهم ابن تيمية واعتبر اقواله حجة واوجب اتباعه هو الامام احمد ابن حنبل وقد اخطأ الامام احمد ابن حنبل في فهم قسم من مسائل العقيدة وفي فهم قسم من احاديث وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكان لهذا الخطأ اثرا سيئا على الامة الاسلامية سابينه فيما بعد
وقد اخطأ الاصوليون في هذه المسألة ولم يضعوا ضابطا صحيحا للاصول الثلاثة وهي القران الكريم والسنة النبوية والاجماع فاصبح القران الكريم مجرد نص يرجع اليه اما معاني اياته فحصروها في من فسره من المفسرين الاوائل وبالتالي يكون المرجع هو قول المفسرين وليس القران الكريم وكذلك اخطأ الاصوليون في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا درجتها في الروايات كدرجة سماعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك اخطأوا في جعل درجة الاجماع ثابتة
فالضابط الصحيح لهذه الاصول كما يلي
كما هو معلوم ان الدرجة الاسمى والاصل الاول للشريعة هو القران الكريم وقد بلغه النبي صلى الله عليه وسلم وبين احكامه وفصل مجمله وقيد مطلقه وخصص عمومه واحل وحرم ونسخ ولكن لم يكلف الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بتفسير كل القران الكريم ففسر النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يمكن تفسيره الا عن طريق النبوة وما شاء الله تفسيره وجعل الله سبحانه وتعالى القران عربيا وجعل عهدة بيانه عليه سبحانه وتعالى لاسباب اقتضتها حكمته قال الله سبحانه وتعالى
{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }18{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }القيامة19
فشاء الله سبحانه وتعالى ان يكون بيان القران الكريم ساريا على مر العصور فكلما مر الزمان وتدبره العلماء وجدوا فيه معان جديدة وبما ان النبي صلى الله عليه وسلم ليس حيا بيننا ليصحح لنا ومن اجل ان يكون القران الكريم عمليا هو الاصل الاول والاسمى في الشريعة يجب ان يكون الضابط لصحة التفسيرهو ماكانت معانيه اوضح بيانا واوسع تفصيلا واكثردقة واعمق فهما لمعاني القران الكريم وان يكون التفسير موافقا للقران الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وغير معارض لها ولا شبهة فيه وذلك بمعيارالعقل واللغة التي نزل بها القران الكريم وهي اللغة العربية وبما ان تفاسير السلف لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم فربما تكون فيها اخطاء فلا يصح جعلها مرجعا بحيث لا يجوز معارضتها وان في القران الكريم ما هو قابل للاجتهاد فالقران الكريم لا تنقضي معانيه الى يوم القيامة لانه كلام رب العالمين فالصحيح ان يعتمد في تفسيره على تفاسير السلف والاستعانة بها وليس جعلها مرجعا لا يجوز معارضتها فما يجب على علماء كل زمان دراسة ما يستجد من المعاني التي يذكرها المجتهدون في تفسير القران الكريم فاذا ما اجمعوا على صحة تفسير وفقا لهذه الضوابط اعتمدوه وجعلوه ناسخا لما قبله حتى وان كان مخالفا لتفسير السلف واذا لم يكن التعامل مع القران الكريم بهذه الطريقة لا يكون الاصل الاول من اصول الشريعة وهذا ما اخطأ فيه الاصوليون فجعلوا القران الكريم درجة وقدرا هو الاصل الاول ولكن عمليا ليس هو الاصل الاول فقيدوا معانيه بما جاء من اقوال المفسرين الاوائل وبالنتيجة تكون اقوال المفسرين هي الاصل الاول وليس القران الكريم
اما قول النبي صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه فليس خاصا في العلم ولكنه شموليا للعبادة والفقه وحسن الخلق والادب والوحدة والمحبة وكل ما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم من امورهم الدينية فقول النبي صلى الله عليه وسلم يعني الخيرية بالشمول وليس بالخصوص فمن المحتمل ان يأتي بعد هذه القرون من هو اوسع فهما لايات معينة من القران الكريم ممن قبله فكلمة خير ليست خاصة بالعلم ولكن معناها كمعنى كلمة خير في الفرق بين فاطمة وعائشة رضي الله عنهما فان فاطمة خير من عائشة وعائشة افضل من فاطمة رضي الله عنهما فقد كانت فاطمة رضي الله عنها احسن تدينا وخلقا وادبا من عائشة رضي الله عنها لانها بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت عائشة رضي الله عنها اكثر فقها من فاطمة رضي الله عنها وذلك لملازمتها للنبي صلى الله عليه وسلم لانها زوجه وبهذا الخصوص كانت افضل من فاطمة رضي الله عنها فكانت فاطمة رضي الله عنها خير النساء وعائشة رضي الله عنها افضل النساء
اما السنة النبوية فقد اخطأ الاصوليون في جعل درجتها في الروايات كدرجة سمعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم فان السنة النبوية لم تكن محفوظة من قبل الله سبحانه وتعالى كما هو الحال مع القران الكريم ولم يكن الاهتمام بكتابتها ودرجة تواترها كما هو الحال مع القران الكريم فمن المستحيل نقل السنة النبوية كما هي عن طريق الروايات فلا يمكن الاحاطة بها لسعتها فمرة يكون خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لكل الناس ومرة لخاصة منهم ومرة للافراد ومرة يكون مشروطا بحدث ومرة غير مشروط ومرة يكون مرحليا ومرة ابديا ومرة يكون للحث ومرة يكون للحكم ومرة يكون من اختصاص الرسالة ومرة من اختصاص النبوة فما كان من اختصاص الرسالة قال فيه الله سبحانه وتعالى يا ايها الرسول وما كان من اختصاص النبوة يقول يا ايها النبي وغير هذا من المفارقات ففي السنة من الاحوال ما لا يمكن حصرها في الروايات ولهذا السبب لا يصح ان تكون درجة السنة في الروايات كدرجة سماعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك يجب ان يكون شرط تمام صحة الحديث الوارد في الروايات هو توافقه مع القران الكريم وعدم تعارضه معه فان كان الحديث صحيحا سندا ولكن متنه معارض للقران الكريم لا يجب الاخذ به ويجب التوقف فيه حتى ينفى تعارضه ولكن ليس كطريقة ابن تيمية في تفسيره لحديث المحاججة بين موسى وادم عليهما الصلاة والسلام فقد كانت طريقته تسفيها للعقول فهو يقول ان اللوم كان على المصيبة وليس على الذنب فيا ليت شعري هل وقعت المصيبة الا بسبب الذنب فان هذا الحديث واحاديث اخرى غيرها وردت في البخاري ومسلم مثل حديث يكشف الله ساقه يوم القيامة وحديث يضع الله قدمه في جهنم وحديث ياتي الله يوم القيامة على المنافقين بصورة غير الصورة التي يعرفونه بها وغيرها فان مثل هذه الاحاديث لا يجب الاخذ يها وان كان سندها صحيحا لانها متعارضة مع القران الكريم فحديث المحاججة يتعارض مع القران الكريم في متنه فهو لا يتناسب مع ادب الانبياء في التخاطب فيما بينهم الا ان يكون المتن ناقصا لكلام يكون باتمامه المعنى متناسبا وجاء في القران الكريم ان ادم عليه الصلاة والسلام كان يسكن الجنة هو وحواء بلا تناسل وكان ذنب ادم هو السبب في نزع لباسهما الذي يواري سوآتهما ليبدأ التناسل فلولا نزع اللباس لما كان هناك تناسل ولما خلق موسى عليه الصلاة والسلام اصلا فكيف يقول لادم عليه الصلاة والسلام انت الذي اخرجتنا ونفسك من الجنة فلا يمكن حمل جواب ادم عليه الصلاة والسلام بهذا المتن من الحديث الا على الاحتجاج بالقدر للاستبراء من الذنب او حمله على معنى ان الله سبحانه وتعالى شاء هذا فما شاء كان واذا قلنا هذا فسيكون مضمونه طعنا في موسى عليه الصلاة والسلام فبغض النظرعن سبب المحاججة سواء كانت لهذا السبب او ذاك فانه من المستحيل ان تكون كلمة اخرجتنا في قول موسى عليه الصلاة والسلام مناسبة لانه لو قدرلادم ان يخلد في الجنة لبقي هو وحواء لوحدهما في الجنة ولم يخلق موسى عليهما الصلاة والسلام لانه لا تناسل فيها الا ان تكون الجنة غير الجنة التي نعرفها ويكون اللباس الذي يواري سوآتهما غير اللباس الذي نعرفه فلا يمكن اعتبارهذا الحديث صحيحا متنا وسندا الا عند من سفه عقله فاما ان السند ضعيف واما المتن ضعيف
فالقران الكريم والسنة النبوية المروية متعاضدان ومترابطان ولكن لا يستويان فالقران الكريم هو المهيمن فما تعارض من السنة النبوية المروية مع القران الكريم توجب الحكم فيه للقران الكريم
اما الاجماع فكذلك اخطأ فيه الاصوليون فجعلوا درجته ثابتة في كل الاحوال واعتبروا الاكثرية اجماعا فاصبح من يخالف هذا الاجماع مفارقا للجماعة فمنهم من فسقه ومنهم من كفره ومنهم من حرم الاجتهاد بعد هذا الاجماع وكل هذا مستندين فيه الى قول النبي صلى الله عليه وسلم ان امتي لا تجتمع على ضلالة والصحيح ان كل احاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي جاء فيها ذكر الجماعة لا تنطبق على الامة الاسلامية بعد ظهور الفرق لان الامة الاسلامية لم تجتمع منذ ظهورالفرق الى يومنا هذا فذكر الجماعة يعني ان تجتمع الامة بلا مخالف وليس بالاكثرية فحتى لو بلغت نسبة المجتمعين تسعة وتسعين من مئة لا تعتبر الامة جميع فاما ان يكون الصواب مع الكثرة واما مع القلة او كلاهما ليس على صواب فان كان الصواب مع القلة وفقا للضوابط المذكورة سابقا فيتوجب على القلة السعي لاقناع الاكثرية ويتوجب على الاكثرية اتباع القلة وليس اعتبارهم مفارقين للجماعة حتى وان كان المخالف وحيدا لان الاصل هو وجوب اتباع الصواب اينما وجد والاجماع هو وسيلة لمعرفة الصواب وليس الصواب بعينه فالاجماع الذي وضعه الاصوليون لا يعتبر جميع وانما اكثرية فاذا ما اجتهد مجتهد في تفسير القران الكريم اوالسنة النبوية وتبينت له معاني تخالف الاجماع فمن الواجب على العلماء دراستها وفقا للضوابط المذكورة سابقا فاذا اجمعواعلى صحتها توجب اعتماده وجعله ناسخا للاجماع السابق والا كان الاجماع هو الاصل الاول او الثاني وليس الثالث
البدعة الثانية
قوله بان السلف كانوا يثبتون من الصفاة ما اثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه وما اثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم والحقيقة ان هذه القاعدة من ابتداعه هو وليس من عقيدة السلف الذين يعنيهم ابن تيمية لان السلف كانوا يؤمنون بها ويقولون امروها كما جاءت من غير تمثيل ولا تعطيل وهذا لا يعني انهم يثبتونها فلو كانوا يقصدون اثباتها لقالوا خذوا بظاهرمعناها من غير تمثيل ولا تعطيل اما الاثبات الذي يقول به ابن تيمية فلا يعتبر اثباتا فعندما ياتي ذكر اليد والوجه وغيرها بالسياق الذي ورد ذكرها في الايات لا يعتبراثباتا لليد والوجه وغيره ولو ان مايعتبره ابن تيمية اثباتا لوجب اثبات الارادة للجدار عندما قال الله سبحانه وتعالى
{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }الكهف77
ولوجب اثبات اليدين للكتاب عندما قال الله سبحانه وتعالى
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ }آل عمران3
فورود الكلمة بسياق المشاكلة والمجاز والكناية لا يعتبر اثباتا ولكن الاثبات ان ياتي السياق بصيغة يكون فيها معنى الاثبات تاما أي محكما مثل قول الله سبحانه وتعالى الله لا اله الا هو الحي القيوم او الا ان لله ما في السموات والارض او قل هو الله احد او ان الله عزيز حكيم او وكان الله عليما حكيما ونحوه فلو جاءت في النصوص الشرعية عبارة ان لله يد لكان الاثبات لليد صحيحا
اما قول الله سبحانه وتعالى {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }ص75
فلا يعتبر اثباتا لليدين ولكن معنى بيدي اي بمباشرتي له في الخلق بغير واسطة ذلك ان الله سبحانه وتعالى خلق ادم في مراحل عدة فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلط الطين والماء حتى صار لازبا ثم تركه حتى صار حمأ ثم شكله ثم تركه حتى صار صلصالا ثم نفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى ولم يأمر احدا من الملائكة للقيام بهذا العمل وان ذكر الخلق باليدين لم يات لبيان تكريم ادم كما يقول ابن تيمية فهو يحتج بهذه الاية لاثبات اليدين فيقول لو كان خلق الله سبحانه وتعالى لابليس وادم سواء ولو لم يكن ذكر تخصيص خلق الله سبحانه وتعالى لادم بيديه تكريما له لما كان لذكرها معنى ولاحتج ابليس بهذا فيستدل ابن تيمية بهذا على اثبات اليدين والصحيح ان ذكر اليدين في قول الله سبحانه وتعالى لم يكن تكريما لادم ولكن جاء ردا على قول ابليس عندما قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين وكأنه ينبئ الله سبحانه وتعالى بما لا يعلم فجاء قول الله سبحانه وتعالى ليأكد لابليس انني خلقته بيدي أي بمباشرتي له في الخلق وبغير واسطة فانا اعلم مم خلقته وانا الذي جعلته بهذه المنزلة وهذا لا يعني تقييد علم الله سبحانه وتعالى في من خلقهم بهذه الطريقة ولكنه للتأكيد ومثال هذا انك اذا اوصلت ابنك الى المدرسة بسيارتك وجاء من يشكك في وجود ابنك في المدرسة ويقول لك ان ابنك ليس في المدرسة فمن اجل ان تاكد له وجوده في المدرسة فستقول له انا الذي اوصلته بيدي مع انك لم تحمله بيديك لتوصله الى المدرسة فلم يكن قول الله عز وجل لابليس تبيينا لتكريم ادم كما يقول ابن تيمية والا لكانت هذه هي علة تكريم ادم على الملائكة الذين سجدوا له ولوجب ان يكون ادم افضل من جميع الملائكة والصحيح انه ليس خلق الله عز وجل لادم بيديه هوعلة تكريمه ولم يأمر الله عز وجل الملائكة بالسجود له لهذا السبب ولم يأمر الله عز وجل جبريل وميكال واسرافيل وملك الموت وحملة العرش بالسجود لادم فلا يمكن للملائكة الذين يحملون العرش ان يتركوا حمل العرش ويسجدوا لادم وان منزلة جبريل وميكال واسرافيل وملك الموت اعلى من منزلة ادم واعلى من منزلة الملائكة المدبرات امرا الذين سجدوا لادم ولم يكن قول الله عز وجل لابليس من جنس المعنى الذي كان يتكلم عنه ابليس ولكنه جاء ليبين معنى اخر وهو ان علة وجوب الطاعة هو صدور الامر من الله سبحانه وتعالى وليس ذكر علة التشريع ولو اعتبرناه لذكر العلة كما يفهمه ابن تيمية لكان من حق العبد الاعتراض على الله عز وجل في ما شرع ولكان من الواجب على الله عز وجل ذكر العلة في كل ما شرع ولكن علة جعل منزلة ادم اعلى من منزلة الملائكة الذين سجدوا له كانت لغير الخلق باليدين وقد ذكرته في موضوع اخر كنت قد كتبته ونشرته على الانترنيت بعنوان قصة ادم عليه السلام
البدعة الثالثة
قوله بان القدر يؤمن به ولا يحتج به والقدر يحتج به في المصائب ولا يحتج به في المعائب فهذا القول من ابتداعه هو وليس له سند او دليل شرعي فكيف يؤمن الانسان ولا يحتج بما امن به فان امن الانسان بالله الا يحتج بوجوده ووحدانيته وكذلك الايمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر ولكن ابن تيمية لا يعرف معنى القدر وعندما قصر عقله عن معرفته ابتدع هذه القاعدة والصحيح ان القدر يحتج به في المصائب والمعائب وفي كل شيئ لان الله تبارك وتعالى قال
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2
فالمصائب والمعائب كلاهما بقدر الله ويجب الاحتجاج بانها وقعت بقدر الله ولكن لايصح الاحتجاج بالقدر للاستبراء من الذنب لان العبد هو الذي تصرف في المقدرات وارتكب الذنب وكذلك باستطاعته ان يتصرف في المقدرات ولا يرتكب الذنب ولذلك فان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه اقر للسارق احتجاجه بالقدرفعندما قال له السارق سرقت بقدر الله لم ينكرعليه قوله واقره عليه ولكنه لم يقبل منه الاستبراء من الذنب بحجة القدر فاجابه وقال له وانا اقطع يدك بقدر الله
وقد ذكر ابن تيمية هذا المعنى وقال يجب على العبد الاستغفار من الذنب وعدم الاحتجاج بالقدر ولكنه لم يبين علاقته بالقدر فقد اورده من باب مايجب على المذنب فعله وليس من باب تعلقه بالقدر
فابن تيمية لا يميز بين القضاء والقدر ولا يميز بين كتابة الله سبحانه وتعالى للقدر وبين وقوعه فاحيانا يورد كلاما اذا نسب الى كتابة القدر يكون صحيحا ولكنه ينسبه الى وقوعه او بالعكس وكذلك بخصوص الارادة والمشيئة فعندما يقرا القارئ جزءا من كلامه يجده صحيحا ولكن لو اخذ كل كلامه مجملا وقارن بين مافيه لوجده متناقضا ويتبين هذا في قصيدته التي اجاب فيها على سؤال الذمي
والصحيح ان معنى القضاء هو الامضاء ومنه الحكم أي اتخاذ القرار فاذا قضي امر ما صار هذا الامر مفروغا منه وكان في عداد الماضي قال الله سبحانه وتعالى
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }الأحزاب36
{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ }القصص29
اما القدر فهو من التقدير أي تعيين مكونات الشيء وهناك فرق بين كتابة الله سبحانه وتعالى للقدر وبين وقوعه فكتابته تتعلق بالقضاء اما وقوعه فيتعلق بتفاعل المقدرات نفسها أي الاسباب التي خلقها الله تبارك وتعالى واعطاها قدرها فان الله سبحانه وتعالى قدر للماء ان يكون سائلا مكونا من الاوكسجين والهيدروجين وقدر للهواء ان يكون غازا مكونا من الاوكسجين وثاني اوكسيد الكاربون والهيروجين الخ وقدر للنخلة ان تكون صلبة مكونة من الجذر والجذع والسعف وقدر ان يكون طلعها وثمرها بالشكل والمكونات التي هي عليها وقدر لها ان تستمد حياتها من الشمس والماء والتربة فمثلا اذا اخذت سعفة من النخلة واشعلتها فان الله سبحانه وتعالى هو الذي قدر مكونات النار وهو الذي قدر للسعفة ان تكون قابلة للاشتعال وهو الذي قدرالاوكسجين في الهواء وجعله مساعدا للاشتعال فتكون قد اشعلت النار بقدر الله وكذلك اذا اطفأتها بالماء وكذلك في كل شيئ خلقه الله سبحانه وتعالى قال الله تبارك وتعالى
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2
وكذلك الانسان فقد خلقه الله سبحانه وتعالى وقدر له ان يكون حيا سميعا بصيرا وله عقل وقلب ونفس وجوارح وارادة وقدر لنفسه ان تكون قابلة للفجور والتقوى وقدر لقلبه ان يكون واعيا للاحاسيس وباعثا لطريقة التفكير وقدر لعقله ان يكون مميزا ومسيطرا وموجها للنفس والجوارح والارادة وقدر لما في السماء والارض ان تكون ايات على وجوده ووحدانيته وخول الانسان في التصرف بالمقدرات وهنا يجب الاشارة الى ان الله عز وجل لم يخول الانسان بالتصرف في كل شيئ ولكن بحدود جعله خليفة في الارض فاي فعل يفعله الانسان سواء كان خيرا او شرا فهو بقدر الله فلو اخذ انسان مطرقة حديدية وكسر بها زجاجة يكون قد كسرها بقدر الله لان الله سبحانه وتعالى هو الذي قدرللانسان مكونات العقل الذي قرر به كسر الزجاجة فجعله ممييزا وهو الذي قدرمكونات الارادة التي عزم بها وخوله بالتصرف بها وهو الذي قدرمكونات اليد التي امسك بها المطرقة وهو الذي قدرمكونات المطرقة وجعلها صلبة مؤثرة في عملية الكسر وهو الذي قدر مكونات الزجاج وجعله قابلا للكسر وكذلك اذا اماط الاذى عن الطريق وكذلك اذا صلى وصام او اذا سرق او شرب خمرا وكذلك في جميع افعال الانسان فالانسان يكون قد كسر الزجاجة واماط الاذى عن الطريق وصلى وصام اوسرق وشرب الخمر وفعل جميع افعاله سواء كانت خيرا او شرا كلها بقدر الله وكلها قد كتبها الله سبحانه وتعالى قبل ان يخلق الخلق بخمسين الف سنة
اما كون الله سبحانه وتعالى قد قضى كتابتها ووقوعها قبل ان يخلق الخلق فهذا لا يلزم منه ان يكون بمثابة اجبار للانسان على فعلها ولكن الله علم مسبقا بان الانسان سيفعل هذا الفعل فقضى كتابته عنده سبحانه وتعالى وكل مايقع من فعل الانسان فهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى لانه هو الذي خلق المقدرات وقدرها وهو مالكها ولم يملكها للانسان ولكن الله عز وجل خول الانسان في التصرف بها فلو شاء الله سبحانه وتعالى ان يسلب او يعطل المقدرات لما وقع فعل من الانسان فقد امر الله سبحانه وتعالى ابراهيم ان يذبح اسماعيل عليهما الصلاة والسلام ولكنه لم يشأ ذبحه واراد ان لا يذبح فعطل القدر الذي به تقطع السكين فلم تتم عملية الذبح والحديث يجرنا الى ان نبين ان لله سبحانه وتعالى ارادتان فله سبحانه وتعالى ارادة عزم وارادة حتم وقد ورد في روايات الشيعة هذا المعنى عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه وان لم يكن سند الحديث صحيحا ولكن معناه صحيح فقد جاء في روايات اهل السنة ما يؤيد هذا المعنى
فقد أورد أبو القاسم بن حبيب في تفسيره بإسناده أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سأله سائل عن القدر فقال طريق دقيق لا تمش فيه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال بحر عميق لا تخض فيه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال سر خفي لله لا تفشه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال علي رضي الله عنه يا سائل إن الله تعالى خلقك كما شاء أو كما شئت فقال كما شاء قال إن الله تعالى يبعثك يوم القيامة كما شئت أو كما يشاء فقال كما يشاء فقال يا سائل لك مشيئة مع الله أو فوق مشيئته أو دون مشيئته فإن قلت مع مشيئته ادعيت الشركة معه وإن قلت دون مشيئته استغنيت عن مشيئته وإن قلت فوق مشيئتة كانت مشيئتك غالبة على مشيئته ثم قال ألست تسأل الله العافية فقال نعم فقال فعن ماذا تسأله العافية أمن بلاء هو ابتلاك به أو من بلاء غيره ابتلاك به قال من بلاء ابتلاني به فقال ألست تقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال بلى قال تعرف تفسيرها فقال لا يا أمير المؤمنين علمني مما علمك الله فقال تفسيره إن العبد لا قدرة له على طاعة الله ولا على معصيته إلا بالله عز وجل يا سائل إن الله يسقم ويداوي منه الداء ومنه الدواء اعقل عن الله فقال السائل عقلت فقال له إلا صرت مسلما قوموا إلى أخيكم المسلم وخذوا بيده ثم قال علي لو وجدت رجلا من أهل القدر لأخذت بعنقه ولا أزال أضربه حتى أكسر عنقه فإنهم يهود هذه الأمة (انتهى)
وروى ابن عساكر
حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار النحوي قال حدثنا أبي قال حدثنا القاسم بن يزيد الهمداني حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا نوح بن قيس قال حدثنا سلامة الكندي قال قال شيخ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عند منصرفه من الشام أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أبقضاء من الله وقدر أم غيرهما قال علي رحمه الله والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ما علوتم تلة ولا هبطتم واديا إلا بقضاء من الله وقدره قال الشيخ عند الله أحتسب عنائي وإليه أشكو خيبة رجائي ما أجد لي من الأجر شيئا قال بلى قد أعظم الله لكم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون وعلى مقامكم وأنتم مقيمون وما وضعتم قدما ولا رفعتم أخرى إلا وقد كتب الله لكم أجرا عظيما قال الشيخ كيف يا أمير المؤمنين والقضاء والقدر ساقانا وعنهما وردنا وصدرنا فقال علي رضي الله عنه أيها الشيخ لعلك ظننته قضاء جبرا وقدرا قسرا لو كان ذلك كذلك لبطل الأمر والنهي والوعد والوعيد وبطل الثواب والعقاب ولم يكن المحسن أولى بمثوبة الاحسان من المسئ ولا المسئ أولى بعقوبة الاسائة من المحسن قال الشيخ فما قضاء والقدر قال علي العلم السابق في اللوح المحفوظ والرق المنثور بكل ما كان وبما هو كائن وبتوفيق الله ومعونته لمن اجتباه بولايته وطاعته وبخذلان الله وتخليته لمن أراد له وأحب شقاه بمعصيته ومخالفته فلا تحسبن غير ذلك فتوافق مقالة الشيطان وعبدة الأوثان وقدرية هذه الأمة ومجوسها ثم إن الله عز وجل أمر تحذيرا ونهى تخبيرا ولم يطع غالبا ولم يعص مغلوبا ولم يك في الخلق شئ حدث في علمه فمن أحسن فتوفيق الله ورحمته ومن أساء فبخذلان الله و أساءته هلك لا الذي أحسن استغنى عن توفيق الله ولا الذي أساء عليه ولا استبد بشئ يخرج به عن قدرته ثم لم يرسل الرسل باطلا ولم ير الآيات والعزائم عبثا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار(انتهى)
فهناك فرق بين مشيئة الله سبحانه وتعالى وبين ارادته وهناك فرق بين ارادة العزم وارادة الحتم
واضرب مثلا لتوضيح الفرق بين الارادتين واشير الى الفارق فان ارادة الله عز وجل مقرونة بالملك اما ارادة العبد فهي غير مقرونة بالملك
فاقول اذا اراد المرء ان يسافر فسيكون هو من عزم على السفر وهذه هي ارادة العزم ولكن اذا اراد ابنه ان يسافر وأذن له الاب فستكون ارادة الاب لسفر ابنه ارادة حتم لانه ليس هوالذي قهر ابنه وجعله يعزم على السفرولكن ابنه من عزم على السفر ولو لم يسمح الاب لابنه بالسفر ومنعه لما سافر الابن وبهذا يكون سفر الابن قد وقع بارادة الاب الحتمية وليست العزمية
وكذلك وقوع الكفر من الكافر ووقوع المعصية من العاصي فانها تقع بارادة الله الحتمية وليست العزمية لان الله عز وجل لم يقهره قهراعلى فعلها ولكن الله عز وجل هو خالق ومقدر الاسباب التي ادت الى وقوع المعصية وهو مالك الاسباب وقادر على سلبها او تعطيلها ولو سلبها او عطلها لما كفر الكافر ولما وقعت المعصية من العاصي وكذلك الحال مع المؤمن
وبهذا المعنى جاءت الايات الكريمات
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }الحج16
{فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125
{وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }هود34
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة41
وقال الله سبحانه وتعالى في ايات اخر
{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }الزمر3
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }غافر28
{إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ }النحل37
فاذا لم يرد الانسان الهداية بداية لا يهديه الله واذا لم يرد الانسان الضلال بداية لا يضله الله اما مسالة التسلسل والترجيح بلا مرجح فهي باطلة وسابين بطلانها في موضوع اخر ان شاء الله قال الله سبحانه وتعالى
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{27} لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ{28} وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{29}
فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10}
{ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } (51){ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (52) {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال53
وان ارادة الله سبحانه وتعالى هي تخصيص للمشيئة فالله سبحانه وتعالى يشاء ان يريد فان شاء اراد وان لم يشأ لم يرد فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن قال الله عز وجل
{مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً }الإسراء18
فجاءت المشيئة عامة والارادة خاصة
وان ابن تيمية لم يميز بين القضاء وبين القدر ولا بين ارادة العزم وارادة الحتم وعندما جهل هذا ابتدع القاعدة التي قال فيها ان القدر يؤمن به ولا يحتج به وقال ان القدر يحتج به في المصائب ولا يحتج به في المعائب وابتدع الارادة القدرية والارادة الشرعية والصحيح انه ليس لله سبحانه وتعالى ارادة قدرية ولا ارادة شرعية ولكن له ارادة ومشيئة اما التشريع فهو امر من الله سبحانه وتعالى وليس ارادة شرعية فالله سبحانه وتعالى اراد ان يشرع فشرع وامر ونهى وهذا داخل في عموم الارادة وليست ارادة خاصة
وان ابن تيمية لم يفهم قول الله عز وجل الذي حكاه عن ابليس حين قال فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم وحمله على ان ابليس احتج بالقدر والصحيح ان ابليس لم يقل هذا احتجاجا بالقدرولكن كان سبب اغواءه هوخلق الله سبحانه وتعالى لادم من طين فاعتمد طريقة القياس لوجوب طاعة الله عز وجل بدلا من ان يعتمد الصحيح وهو ان الذي يوجب الطاعة هو كون الامر صادرمن الله عز وجل وليست علة التشريع فغوى وجرى له ماجرى واختلف العلماء في معنى اغويتني والصحيح ان نسبة الاغواء الى الله عز وجل هو من باب نسبة السبب الى مسببه كما لو كنت عطشانا واعطاك احد ماءا وشربت وقلت له شكرا لك لقد ارويتني فليس معنى هذا انه هو الذي سقاك ولكن انت الذي سقيت نفسك وكان هو المسبب لاروائك وكان الماء سبب الارواء وكذلك قول ابليس اغويتني فان الله عز وجل لم يقهر ابليس على الاغواء قهرا فهو حر في ان يغوى او لا يغوى ولكن كان خلق الله عز وجل لادم من طين سببا في اغواءه اما عبارة ( بما ) فجاءت لمعنيين اثنين وكان لاضافة الالف الى عبارة بم اتماما للمعنيين فالاول هو الانتقام من ادم لشدة حقده عليه فعبارة بم هي تعيين لجواب عن سؤال مقدر أي باي شيئ اغويتني فيكون الجواب بادم فيكون المعنى انه بما ان ادم هو الذي اغويتني به فسانتقم منه ولاقعدن له ولذريته سراطك المستقيم واغويهم والثاني كان عنادا ومساومة لله عز وجل أي بما انك خلقت ادم من طين وجعلته مدعاة للاغواء فاغويتني به لاقعدن لهم صراطك المستقيم ولاصرفنهم عن عبادتك وبما انه ليس لابليس من الامر شيئ وانما الامر كله بيد الله سبحانه وتعالى فقد اقر الله عز وجل له المساومة واستجاب له طلبه بالانظار كي لا يكون لتهديد ابليس اعتبارا فان الله عز وجل هو الغني الحميد ولا يزيد في ملكه ايمان المؤمن ولا ينقص من ملكه كفر الكافر ولو رفض الله عز وجل طلب ابليس للانظارلكان لتهديده اعتبارا فيكون المعنى وحاشا لله ان الله يفتقر الى ايمان المؤمن فيتأثر فيمن يغويهم ابليس وقد يقول قائل ما وجه المقارنة بين الخالق والمخلوق كي يكون ابليس مساوما لله عز وجل فاقول لا وجه للمقارنة فان الله عز وجل قادرعلى هلاك ابليس ولكن رحمة الله سبحانه وتعالى وحكمته اقتضت ذلك لانه هو رب ابليس وهو رب العالمين وليتبين للناس سعة رحمته وعدله سبحانه وتعالى اما الغي فهو الاستدلال بغير الصواب وقد استدل ابليس بطريقة القياس على وجوب الطاعة وهي طريقة خاطئة فغوى وكذلك يغوى الذين يتبعون الشهوات
قال الله عز وجل
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً }مريم59
وان كثيرا من العلماء لم يميزوا بين القضاء والقدر وحشروا القضاء مع القدر مع ان الحديث الشريف ذكر ان من اركان الايمان هو الايمان بالقدر خيره وشره ولم يأت ذكر القضاء فيه وكذلك لم يميزوا بين ارادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته فمنهم من حمل معنى الارادة على انها المشيئة ومنهم من حمل معنى ارادة الحتم على انها ارادة العزم وكذلك في غيرها من مسائل العقيدة فقد أخطأ المرجئة والخوارج والمعتزلة والاشعرية والسلفية والاباظية والصوفية في فهم معاني ايات القران الكريم المتشابهة وفي فهم الاحاديث النبوية الشريفة وعلى اثرها تفرقت الامة الاسلامية ومن هؤلاء العلماء الامام احمد بن حنبل فانه لم يعرف القدر فقد روي عنه انه قال ان القدر هو قدرة الله وكذلك قال كثير من العلماء المعاصرين مثل هذا القول والصحيح ان القدر ليس هذا معناه والصحيح ان وقوع القدر لايتعلق بقدرة الله عز وجل ولكنه يتعلق بمشيئته اما قدرته سبحانه وتعالى فقد مضت في خلق المقدرات وتقديرها اما وقوع القدر فهو نتيجة تفاعل المقدرات نفسها الا ان تكون معجزة خارقة للمقدرات فانها تكون متعلقة بقدرة الله سبحانه وتعالى
البدعة الرابعة
قوله بان المشركين العرب موحدين او يوحدون الخالق وهذا لا يجوز فحتى لو قالوا ان خالق السموات والارض هو الله فان اطلاق هكذا كلمة على من وصفهم الله عز وجل بالمشركين في ايات كثيرة في القران الكريم يعتبر تجرؤا على الله سبحانه وتعالى
والصحيح ان المشركين العرب لم يكونوا يؤمنون ايمانا بان الله سبحانه وتعالى هوالخالق كما يقول ابن تيمية حسب فهمه الخاطئ لايات القران الكريم ولكن كانوا يقرون تعجيزا بهذا فان الله عز وجل قال
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25
وهذا ليس ايمانا منهم به ولكن لانهم لايملكون جوابا غيره فهم لا يستطيعون ان ينسبوا الخلق الا لله سبحانه وتعالى ولو نسبوه لالهتم او لانفسهم او لاي مخلوق اخر لكانت حجتهم داحضة لان الخالق لابد ان يكون هو الاول ليس قبله شيء وهذا ما يعجزون ان يثبتوه لغير الله سبحانه وتعالى ولذلك يضطرون اضطرارا الى الاقرار بان الخالق هو الله وليس ايمانا منهم به ولذلك قال الله عز وجل
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25
فليس في الاية الكريمة مايثبت ايمانهم بما يقولون ولكن جاءت لتظهرعجزهم عن اثبات الخلق لغيره سبحانه وتعالى ولذلك قال الله عز وجل قل الحمد لله أي الحمد لله الذي جعل حجته هي الغالبة
فلا يجوز القول بانهم موحدين او يوحدون ويجب ان يقال عنهم انهم مقرين او يقرون بان الخالق هو الله وقد قال ابن تيمية هذا عنهم في مواضع كثيرة ولكنه حمل معناه على انهم يؤمنون به ايمانا والصحيح انهم ليسوا كذلك فيجب الاشارة الى ان اقرارهم عن عجز وليس عن ايمان وقد كذبهم وكفرهم الله عز وجل فقال
{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }الزمر3
البدعة الخامسة
ايجاده للحسبة وهو تخصيص جماعة معينة من المسلمين للامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراقبة الناس والتدخل بشؤونهم ومحاسبتهم وهذا ما لم يامر به الله عز وجل ولم يرد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم وقد ابتدع ابن تيمية هذه البدعة نتيجة فهمه الخاطئ لايات القران الكريم فان الله عز وجل قال
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104
فكان معنى امة شاملا لكل افراد الامة كما جاء في اية اخرى
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110
ولم يكن المعنى لطائفة منها فقد قال الله عز وجل
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122
وكذلك قال الله عز وجل في نهاية الاية واولئك هم المفلحون فلو كان المعنى لطائفة من الامة لكان افراد هذه الطائفة فقط هم المفلحون دون بقية الامة
وقال النبي صلى الله عليه وسلم من رأئ منكم منكرا فليغيره بيده الى اخر الحديث فكانت الدعوة لكل الامة وليس لجماعة خاصة
فكان ابتداع ابن تيمية للحسبة مخالفة للقران الكريم ولسنة النبي صلى الله عليه وسلم
ومن شأن الحسبة ان تفرق بين المسلمين وتسلط بعضهم على بعض وهذا ما لا يرضاه الله ورسوله وكذلك من شأنها التجسس على المسلمين وقد نهى الله تبارك وتعالى عنه وقد شرع الله عز وجل اقامة الحدود على المذنبين للردع وليس للانتقام وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم يدرأون الحدود عن المسلمين بالشبهات اما الحسبة فمن شأنها ملاحقة المذنبين واقامة الحدود عليهم
الفصل الثاني
اخطاء ابن تيمية
يتبع
الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله اللهم صل على محمد وال محمد
ابن تيمية فكره واسلوبه واثره
من اكثر الذين اختلف العلماء في تقييمه هو ابن تيمية وذلك لانه درس الفلسفة واعتمدها في اسلوبه في الكلام اكثر من اتباعه لاسلوب الصحابة رضي الله عنهم والعلماء الذين اتبعوهم في طريقة الكلام في المسائل الشرعية وبسبب اعتماده لهذا الاسلوب في الكلام صار من الصعب على القارئ تمييزالبدع والاخطاء التي جاءت في كلامه وذلك لانها ترد محشوة في ثنايا الكلام الصحيح الذي يورده وسأبين هذه الاساليب وابين قسما من اخطاءه
الفصل الاول
البدع التي جاء بها ابن تيمية
البدعة الاولى
اطلاقه لمصطلح السلف ووجوب حصرفهم القران الكريم والسنة النبوية بفهمهم بغير ضابط وهذا لا اصل له في الشريعة وابين هذا فيما يلي
اولا :- قال الله سبحانه وتعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة100
فجاء قول الله سبحانه وتعالى ( اتبعوهم ) وليس ( تبعوهم ) فالمتبع ليس كالتابع فالاتباع هو السيرعلى المنهج الذي سلكه السابقون الاولون وذلك بان يكون المتبع مؤمنا تقيا صادقا صالحا متفكرا متعقلا متفقها قاصدا للحق مجتهدا بعقله لفهم المسائل الشرعية ولذلك قال الله تبارك وتعالى ( باحسان ) اما التابع فهو اخذ قول القائل بغير تعقل حتى لو كان مخالفا للمعقول وهذا ما ذهب اليه ابن تيمية ويحتج به ودعا اليه ضمنا وتصريحا وهذا مالم يأمر به الله سبحانه وتعالى ونهى عنه فهذه الدرجة من السمع والطاعة لا تجوز الا لله ورسوله
ثانيا :- لقد امر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده وليس كل احد فغيرهؤلاء لم يامر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعينهم بالذكر ليكونوا خلفاء له ولكن من خلال وصفه لهم ومن خلال بيان منزلتهم واستشارته لهم عرف بقية الصحابة رضي الله عنهم اولويتهم للخلافة ولو ذكرهم بالنص لوجبت طاعتهم كطاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ترك معرفتهم للاجتهاد حتى لا يكونون هم والنبي صلى الله عليه وسلم سواء في وجوب الطاعة فالنبي صلى الله عليه وسلم وحده من تجب طاعته طاعة مطلقة ولا يجوز رد ما جاء به وقد اجمع اهل السنة على ان الخلفاء الاربعة منهم وقد يقول قائل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عين عليا رضي الله عنه وقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه فاقول ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعينه خليفة له بعد موته ولكنه امر بموالاته في حياته فكانت ولاية علي رضي الله عنه محكومة بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فمقامها كمقام الامراء الذين يبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم وكالذين يخلفهم على المدينة في غزواته وكمن كان يفتي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كابي بكر وعمر رضي الله عنهما وان الطاعة المطلقة توجبها العصمة والعصمة توجبها النبوة والنبوة يوجبها الوحي فاذا انقطع الوحي انعدمت العصمة والنبوة وان ما اوجبت ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم اولى بالمؤمنين من انفسهم هي النبوة وان النبي صلى الله عليه وسلم اكد على موالاة علي رضي الله عنه ولكن عليا رضي الله عنه ليس نبيا ولذلك عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه في حديث اخر اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى ولان المقارنة كانت مع نبي قال النبي صلى الله عليه وسلم بعدها الا انه لا نبي بعدي أي انك لست قرينا له في النبوة فكانت ولاية علي رضي الله عنه غير مقترنة بالعصمة فهي كولاية غيره من كبار الصحابة رضي الله عنهم وكان بود النبي صلى الله عليه وسلم ان يعين خليفة له حرصا منه للحفاظ على وحدة المسلمين ولكن تعيينه للخليفة يوجب طاعة الخليفة طاعة مطلقة كوجوب طاعته وهذا ما لا يصح مع انقطاع الوحي ولذلك لم يعين النبي صلى الله عليه وسلم خليفة له
ثالثا :- لم يحدد ابن تيمية من هم السلف الذين اوجب ان يفهم القران الكريم والسنة بفهمهم سوى انه يذكرعددا من بين مئات العلماء ولم يضع ضابطا لتعيينهم الا ضابطا واحدا وهو رأيه فيهم وبالتالي يكون الاتباع لرأيه هو وليس لسند او دليل شرعي وكثيرا من العلماء الذين خصهم ابن تيمية بجوب الفهم بفهمهم مختلفون في مسائل العقيدة والفقه ومن بين ما تبعهم ابن تيمية واعتبر اقواله حجة واوجب اتباعه هو الامام احمد ابن حنبل وقد اخطأ الامام احمد ابن حنبل في فهم قسم من مسائل العقيدة وفي فهم قسم من احاديث وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكان لهذا الخطأ اثرا سيئا على الامة الاسلامية سابينه فيما بعد
وقد اخطأ الاصوليون في هذه المسألة ولم يضعوا ضابطا صحيحا للاصول الثلاثة وهي القران الكريم والسنة النبوية والاجماع فاصبح القران الكريم مجرد نص يرجع اليه اما معاني اياته فحصروها في من فسره من المفسرين الاوائل وبالتالي يكون المرجع هو قول المفسرين وليس القران الكريم وكذلك اخطأ الاصوليون في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا درجتها في الروايات كدرجة سماعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك اخطأوا في جعل درجة الاجماع ثابتة
فالضابط الصحيح لهذه الاصول كما يلي
كما هو معلوم ان الدرجة الاسمى والاصل الاول للشريعة هو القران الكريم وقد بلغه النبي صلى الله عليه وسلم وبين احكامه وفصل مجمله وقيد مطلقه وخصص عمومه واحل وحرم ونسخ ولكن لم يكلف الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بتفسير كل القران الكريم ففسر النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يمكن تفسيره الا عن طريق النبوة وما شاء الله تفسيره وجعل الله سبحانه وتعالى القران عربيا وجعل عهدة بيانه عليه سبحانه وتعالى لاسباب اقتضتها حكمته قال الله سبحانه وتعالى
{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }18{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }القيامة19
فشاء الله سبحانه وتعالى ان يكون بيان القران الكريم ساريا على مر العصور فكلما مر الزمان وتدبره العلماء وجدوا فيه معان جديدة وبما ان النبي صلى الله عليه وسلم ليس حيا بيننا ليصحح لنا ومن اجل ان يكون القران الكريم عمليا هو الاصل الاول والاسمى في الشريعة يجب ان يكون الضابط لصحة التفسيرهو ماكانت معانيه اوضح بيانا واوسع تفصيلا واكثردقة واعمق فهما لمعاني القران الكريم وان يكون التفسير موافقا للقران الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وغير معارض لها ولا شبهة فيه وذلك بمعيارالعقل واللغة التي نزل بها القران الكريم وهي اللغة العربية وبما ان تفاسير السلف لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم فربما تكون فيها اخطاء فلا يصح جعلها مرجعا بحيث لا يجوز معارضتها وان في القران الكريم ما هو قابل للاجتهاد فالقران الكريم لا تنقضي معانيه الى يوم القيامة لانه كلام رب العالمين فالصحيح ان يعتمد في تفسيره على تفاسير السلف والاستعانة بها وليس جعلها مرجعا لا يجوز معارضتها فما يجب على علماء كل زمان دراسة ما يستجد من المعاني التي يذكرها المجتهدون في تفسير القران الكريم فاذا ما اجمعوا على صحة تفسير وفقا لهذه الضوابط اعتمدوه وجعلوه ناسخا لما قبله حتى وان كان مخالفا لتفسير السلف واذا لم يكن التعامل مع القران الكريم بهذه الطريقة لا يكون الاصل الاول من اصول الشريعة وهذا ما اخطأ فيه الاصوليون فجعلوا القران الكريم درجة وقدرا هو الاصل الاول ولكن عمليا ليس هو الاصل الاول فقيدوا معانيه بما جاء من اقوال المفسرين الاوائل وبالنتيجة تكون اقوال المفسرين هي الاصل الاول وليس القران الكريم
اما قول النبي صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه فليس خاصا في العلم ولكنه شموليا للعبادة والفقه وحسن الخلق والادب والوحدة والمحبة وكل ما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم من امورهم الدينية فقول النبي صلى الله عليه وسلم يعني الخيرية بالشمول وليس بالخصوص فمن المحتمل ان يأتي بعد هذه القرون من هو اوسع فهما لايات معينة من القران الكريم ممن قبله فكلمة خير ليست خاصة بالعلم ولكن معناها كمعنى كلمة خير في الفرق بين فاطمة وعائشة رضي الله عنهما فان فاطمة خير من عائشة وعائشة افضل من فاطمة رضي الله عنهما فقد كانت فاطمة رضي الله عنها احسن تدينا وخلقا وادبا من عائشة رضي الله عنها لانها بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت عائشة رضي الله عنها اكثر فقها من فاطمة رضي الله عنها وذلك لملازمتها للنبي صلى الله عليه وسلم لانها زوجه وبهذا الخصوص كانت افضل من فاطمة رضي الله عنها فكانت فاطمة رضي الله عنها خير النساء وعائشة رضي الله عنها افضل النساء
اما السنة النبوية فقد اخطأ الاصوليون في جعل درجتها في الروايات كدرجة سمعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم فان السنة النبوية لم تكن محفوظة من قبل الله سبحانه وتعالى كما هو الحال مع القران الكريم ولم يكن الاهتمام بكتابتها ودرجة تواترها كما هو الحال مع القران الكريم فمن المستحيل نقل السنة النبوية كما هي عن طريق الروايات فلا يمكن الاحاطة بها لسعتها فمرة يكون خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لكل الناس ومرة لخاصة منهم ومرة للافراد ومرة يكون مشروطا بحدث ومرة غير مشروط ومرة يكون مرحليا ومرة ابديا ومرة يكون للحث ومرة يكون للحكم ومرة يكون من اختصاص الرسالة ومرة من اختصاص النبوة فما كان من اختصاص الرسالة قال فيه الله سبحانه وتعالى يا ايها الرسول وما كان من اختصاص النبوة يقول يا ايها النبي وغير هذا من المفارقات ففي السنة من الاحوال ما لا يمكن حصرها في الروايات ولهذا السبب لا يصح ان تكون درجة السنة في الروايات كدرجة سماعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك يجب ان يكون شرط تمام صحة الحديث الوارد في الروايات هو توافقه مع القران الكريم وعدم تعارضه معه فان كان الحديث صحيحا سندا ولكن متنه معارض للقران الكريم لا يجب الاخذ به ويجب التوقف فيه حتى ينفى تعارضه ولكن ليس كطريقة ابن تيمية في تفسيره لحديث المحاججة بين موسى وادم عليهما الصلاة والسلام فقد كانت طريقته تسفيها للعقول فهو يقول ان اللوم كان على المصيبة وليس على الذنب فيا ليت شعري هل وقعت المصيبة الا بسبب الذنب فان هذا الحديث واحاديث اخرى غيرها وردت في البخاري ومسلم مثل حديث يكشف الله ساقه يوم القيامة وحديث يضع الله قدمه في جهنم وحديث ياتي الله يوم القيامة على المنافقين بصورة غير الصورة التي يعرفونه بها وغيرها فان مثل هذه الاحاديث لا يجب الاخذ يها وان كان سندها صحيحا لانها متعارضة مع القران الكريم فحديث المحاججة يتعارض مع القران الكريم في متنه فهو لا يتناسب مع ادب الانبياء في التخاطب فيما بينهم الا ان يكون المتن ناقصا لكلام يكون باتمامه المعنى متناسبا وجاء في القران الكريم ان ادم عليه الصلاة والسلام كان يسكن الجنة هو وحواء بلا تناسل وكان ذنب ادم هو السبب في نزع لباسهما الذي يواري سوآتهما ليبدأ التناسل فلولا نزع اللباس لما كان هناك تناسل ولما خلق موسى عليه الصلاة والسلام اصلا فكيف يقول لادم عليه الصلاة والسلام انت الذي اخرجتنا ونفسك من الجنة فلا يمكن حمل جواب ادم عليه الصلاة والسلام بهذا المتن من الحديث الا على الاحتجاج بالقدر للاستبراء من الذنب او حمله على معنى ان الله سبحانه وتعالى شاء هذا فما شاء كان واذا قلنا هذا فسيكون مضمونه طعنا في موسى عليه الصلاة والسلام فبغض النظرعن سبب المحاججة سواء كانت لهذا السبب او ذاك فانه من المستحيل ان تكون كلمة اخرجتنا في قول موسى عليه الصلاة والسلام مناسبة لانه لو قدرلادم ان يخلد في الجنة لبقي هو وحواء لوحدهما في الجنة ولم يخلق موسى عليهما الصلاة والسلام لانه لا تناسل فيها الا ان تكون الجنة غير الجنة التي نعرفها ويكون اللباس الذي يواري سوآتهما غير اللباس الذي نعرفه فلا يمكن اعتبارهذا الحديث صحيحا متنا وسندا الا عند من سفه عقله فاما ان السند ضعيف واما المتن ضعيف
فالقران الكريم والسنة النبوية المروية متعاضدان ومترابطان ولكن لا يستويان فالقران الكريم هو المهيمن فما تعارض من السنة النبوية المروية مع القران الكريم توجب الحكم فيه للقران الكريم
اما الاجماع فكذلك اخطأ فيه الاصوليون فجعلوا درجته ثابتة في كل الاحوال واعتبروا الاكثرية اجماعا فاصبح من يخالف هذا الاجماع مفارقا للجماعة فمنهم من فسقه ومنهم من كفره ومنهم من حرم الاجتهاد بعد هذا الاجماع وكل هذا مستندين فيه الى قول النبي صلى الله عليه وسلم ان امتي لا تجتمع على ضلالة والصحيح ان كل احاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي جاء فيها ذكر الجماعة لا تنطبق على الامة الاسلامية بعد ظهور الفرق لان الامة الاسلامية لم تجتمع منذ ظهورالفرق الى يومنا هذا فذكر الجماعة يعني ان تجتمع الامة بلا مخالف وليس بالاكثرية فحتى لو بلغت نسبة المجتمعين تسعة وتسعين من مئة لا تعتبر الامة جميع فاما ان يكون الصواب مع الكثرة واما مع القلة او كلاهما ليس على صواب فان كان الصواب مع القلة وفقا للضوابط المذكورة سابقا فيتوجب على القلة السعي لاقناع الاكثرية ويتوجب على الاكثرية اتباع القلة وليس اعتبارهم مفارقين للجماعة حتى وان كان المخالف وحيدا لان الاصل هو وجوب اتباع الصواب اينما وجد والاجماع هو وسيلة لمعرفة الصواب وليس الصواب بعينه فالاجماع الذي وضعه الاصوليون لا يعتبر جميع وانما اكثرية فاذا ما اجتهد مجتهد في تفسير القران الكريم اوالسنة النبوية وتبينت له معاني تخالف الاجماع فمن الواجب على العلماء دراستها وفقا للضوابط المذكورة سابقا فاذا اجمعواعلى صحتها توجب اعتماده وجعله ناسخا للاجماع السابق والا كان الاجماع هو الاصل الاول او الثاني وليس الثالث
البدعة الثانية
قوله بان السلف كانوا يثبتون من الصفاة ما اثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه وما اثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم والحقيقة ان هذه القاعدة من ابتداعه هو وليس من عقيدة السلف الذين يعنيهم ابن تيمية لان السلف كانوا يؤمنون بها ويقولون امروها كما جاءت من غير تمثيل ولا تعطيل وهذا لا يعني انهم يثبتونها فلو كانوا يقصدون اثباتها لقالوا خذوا بظاهرمعناها من غير تمثيل ولا تعطيل اما الاثبات الذي يقول به ابن تيمية فلا يعتبر اثباتا فعندما ياتي ذكر اليد والوجه وغيرها بالسياق الذي ورد ذكرها في الايات لا يعتبراثباتا لليد والوجه وغيره ولو ان مايعتبره ابن تيمية اثباتا لوجب اثبات الارادة للجدار عندما قال الله سبحانه وتعالى
{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }الكهف77
ولوجب اثبات اليدين للكتاب عندما قال الله سبحانه وتعالى
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ }آل عمران3
فورود الكلمة بسياق المشاكلة والمجاز والكناية لا يعتبر اثباتا ولكن الاثبات ان ياتي السياق بصيغة يكون فيها معنى الاثبات تاما أي محكما مثل قول الله سبحانه وتعالى الله لا اله الا هو الحي القيوم او الا ان لله ما في السموات والارض او قل هو الله احد او ان الله عزيز حكيم او وكان الله عليما حكيما ونحوه فلو جاءت في النصوص الشرعية عبارة ان لله يد لكان الاثبات لليد صحيحا
اما قول الله سبحانه وتعالى {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }ص75
فلا يعتبر اثباتا لليدين ولكن معنى بيدي اي بمباشرتي له في الخلق بغير واسطة ذلك ان الله سبحانه وتعالى خلق ادم في مراحل عدة فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلط الطين والماء حتى صار لازبا ثم تركه حتى صار حمأ ثم شكله ثم تركه حتى صار صلصالا ثم نفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى ولم يأمر احدا من الملائكة للقيام بهذا العمل وان ذكر الخلق باليدين لم يات لبيان تكريم ادم كما يقول ابن تيمية فهو يحتج بهذه الاية لاثبات اليدين فيقول لو كان خلق الله سبحانه وتعالى لابليس وادم سواء ولو لم يكن ذكر تخصيص خلق الله سبحانه وتعالى لادم بيديه تكريما له لما كان لذكرها معنى ولاحتج ابليس بهذا فيستدل ابن تيمية بهذا على اثبات اليدين والصحيح ان ذكر اليدين في قول الله سبحانه وتعالى لم يكن تكريما لادم ولكن جاء ردا على قول ابليس عندما قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين وكأنه ينبئ الله سبحانه وتعالى بما لا يعلم فجاء قول الله سبحانه وتعالى ليأكد لابليس انني خلقته بيدي أي بمباشرتي له في الخلق وبغير واسطة فانا اعلم مم خلقته وانا الذي جعلته بهذه المنزلة وهذا لا يعني تقييد علم الله سبحانه وتعالى في من خلقهم بهذه الطريقة ولكنه للتأكيد ومثال هذا انك اذا اوصلت ابنك الى المدرسة بسيارتك وجاء من يشكك في وجود ابنك في المدرسة ويقول لك ان ابنك ليس في المدرسة فمن اجل ان تاكد له وجوده في المدرسة فستقول له انا الذي اوصلته بيدي مع انك لم تحمله بيديك لتوصله الى المدرسة فلم يكن قول الله عز وجل لابليس تبيينا لتكريم ادم كما يقول ابن تيمية والا لكانت هذه هي علة تكريم ادم على الملائكة الذين سجدوا له ولوجب ان يكون ادم افضل من جميع الملائكة والصحيح انه ليس خلق الله عز وجل لادم بيديه هوعلة تكريمه ولم يأمر الله عز وجل الملائكة بالسجود له لهذا السبب ولم يأمر الله عز وجل جبريل وميكال واسرافيل وملك الموت وحملة العرش بالسجود لادم فلا يمكن للملائكة الذين يحملون العرش ان يتركوا حمل العرش ويسجدوا لادم وان منزلة جبريل وميكال واسرافيل وملك الموت اعلى من منزلة ادم واعلى من منزلة الملائكة المدبرات امرا الذين سجدوا لادم ولم يكن قول الله عز وجل لابليس من جنس المعنى الذي كان يتكلم عنه ابليس ولكنه جاء ليبين معنى اخر وهو ان علة وجوب الطاعة هو صدور الامر من الله سبحانه وتعالى وليس ذكر علة التشريع ولو اعتبرناه لذكر العلة كما يفهمه ابن تيمية لكان من حق العبد الاعتراض على الله عز وجل في ما شرع ولكان من الواجب على الله عز وجل ذكر العلة في كل ما شرع ولكن علة جعل منزلة ادم اعلى من منزلة الملائكة الذين سجدوا له كانت لغير الخلق باليدين وقد ذكرته في موضوع اخر كنت قد كتبته ونشرته على الانترنيت بعنوان قصة ادم عليه السلام
البدعة الثالثة
قوله بان القدر يؤمن به ولا يحتج به والقدر يحتج به في المصائب ولا يحتج به في المعائب فهذا القول من ابتداعه هو وليس له سند او دليل شرعي فكيف يؤمن الانسان ولا يحتج بما امن به فان امن الانسان بالله الا يحتج بوجوده ووحدانيته وكذلك الايمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر ولكن ابن تيمية لا يعرف معنى القدر وعندما قصر عقله عن معرفته ابتدع هذه القاعدة والصحيح ان القدر يحتج به في المصائب والمعائب وفي كل شيئ لان الله تبارك وتعالى قال
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2
فالمصائب والمعائب كلاهما بقدر الله ويجب الاحتجاج بانها وقعت بقدر الله ولكن لايصح الاحتجاج بالقدر للاستبراء من الذنب لان العبد هو الذي تصرف في المقدرات وارتكب الذنب وكذلك باستطاعته ان يتصرف في المقدرات ولا يرتكب الذنب ولذلك فان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه اقر للسارق احتجاجه بالقدرفعندما قال له السارق سرقت بقدر الله لم ينكرعليه قوله واقره عليه ولكنه لم يقبل منه الاستبراء من الذنب بحجة القدر فاجابه وقال له وانا اقطع يدك بقدر الله
وقد ذكر ابن تيمية هذا المعنى وقال يجب على العبد الاستغفار من الذنب وعدم الاحتجاج بالقدر ولكنه لم يبين علاقته بالقدر فقد اورده من باب مايجب على المذنب فعله وليس من باب تعلقه بالقدر
فابن تيمية لا يميز بين القضاء والقدر ولا يميز بين كتابة الله سبحانه وتعالى للقدر وبين وقوعه فاحيانا يورد كلاما اذا نسب الى كتابة القدر يكون صحيحا ولكنه ينسبه الى وقوعه او بالعكس وكذلك بخصوص الارادة والمشيئة فعندما يقرا القارئ جزءا من كلامه يجده صحيحا ولكن لو اخذ كل كلامه مجملا وقارن بين مافيه لوجده متناقضا ويتبين هذا في قصيدته التي اجاب فيها على سؤال الذمي
والصحيح ان معنى القضاء هو الامضاء ومنه الحكم أي اتخاذ القرار فاذا قضي امر ما صار هذا الامر مفروغا منه وكان في عداد الماضي قال الله سبحانه وتعالى
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }الأحزاب36
{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ }القصص29
اما القدر فهو من التقدير أي تعيين مكونات الشيء وهناك فرق بين كتابة الله سبحانه وتعالى للقدر وبين وقوعه فكتابته تتعلق بالقضاء اما وقوعه فيتعلق بتفاعل المقدرات نفسها أي الاسباب التي خلقها الله تبارك وتعالى واعطاها قدرها فان الله سبحانه وتعالى قدر للماء ان يكون سائلا مكونا من الاوكسجين والهيدروجين وقدر للهواء ان يكون غازا مكونا من الاوكسجين وثاني اوكسيد الكاربون والهيروجين الخ وقدر للنخلة ان تكون صلبة مكونة من الجذر والجذع والسعف وقدر ان يكون طلعها وثمرها بالشكل والمكونات التي هي عليها وقدر لها ان تستمد حياتها من الشمس والماء والتربة فمثلا اذا اخذت سعفة من النخلة واشعلتها فان الله سبحانه وتعالى هو الذي قدر مكونات النار وهو الذي قدر للسعفة ان تكون قابلة للاشتعال وهو الذي قدرالاوكسجين في الهواء وجعله مساعدا للاشتعال فتكون قد اشعلت النار بقدر الله وكذلك اذا اطفأتها بالماء وكذلك في كل شيئ خلقه الله سبحانه وتعالى قال الله تبارك وتعالى
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2
وكذلك الانسان فقد خلقه الله سبحانه وتعالى وقدر له ان يكون حيا سميعا بصيرا وله عقل وقلب ونفس وجوارح وارادة وقدر لنفسه ان تكون قابلة للفجور والتقوى وقدر لقلبه ان يكون واعيا للاحاسيس وباعثا لطريقة التفكير وقدر لعقله ان يكون مميزا ومسيطرا وموجها للنفس والجوارح والارادة وقدر لما في السماء والارض ان تكون ايات على وجوده ووحدانيته وخول الانسان في التصرف بالمقدرات وهنا يجب الاشارة الى ان الله عز وجل لم يخول الانسان بالتصرف في كل شيئ ولكن بحدود جعله خليفة في الارض فاي فعل يفعله الانسان سواء كان خيرا او شرا فهو بقدر الله فلو اخذ انسان مطرقة حديدية وكسر بها زجاجة يكون قد كسرها بقدر الله لان الله سبحانه وتعالى هو الذي قدرللانسان مكونات العقل الذي قرر به كسر الزجاجة فجعله ممييزا وهو الذي قدرمكونات الارادة التي عزم بها وخوله بالتصرف بها وهو الذي قدرمكونات اليد التي امسك بها المطرقة وهو الذي قدرمكونات المطرقة وجعلها صلبة مؤثرة في عملية الكسر وهو الذي قدر مكونات الزجاج وجعله قابلا للكسر وكذلك اذا اماط الاذى عن الطريق وكذلك اذا صلى وصام او اذا سرق او شرب خمرا وكذلك في جميع افعال الانسان فالانسان يكون قد كسر الزجاجة واماط الاذى عن الطريق وصلى وصام اوسرق وشرب الخمر وفعل جميع افعاله سواء كانت خيرا او شرا كلها بقدر الله وكلها قد كتبها الله سبحانه وتعالى قبل ان يخلق الخلق بخمسين الف سنة
اما كون الله سبحانه وتعالى قد قضى كتابتها ووقوعها قبل ان يخلق الخلق فهذا لا يلزم منه ان يكون بمثابة اجبار للانسان على فعلها ولكن الله علم مسبقا بان الانسان سيفعل هذا الفعل فقضى كتابته عنده سبحانه وتعالى وكل مايقع من فعل الانسان فهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى لانه هو الذي خلق المقدرات وقدرها وهو مالكها ولم يملكها للانسان ولكن الله عز وجل خول الانسان في التصرف بها فلو شاء الله سبحانه وتعالى ان يسلب او يعطل المقدرات لما وقع فعل من الانسان فقد امر الله سبحانه وتعالى ابراهيم ان يذبح اسماعيل عليهما الصلاة والسلام ولكنه لم يشأ ذبحه واراد ان لا يذبح فعطل القدر الذي به تقطع السكين فلم تتم عملية الذبح والحديث يجرنا الى ان نبين ان لله سبحانه وتعالى ارادتان فله سبحانه وتعالى ارادة عزم وارادة حتم وقد ورد في روايات الشيعة هذا المعنى عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه وان لم يكن سند الحديث صحيحا ولكن معناه صحيح فقد جاء في روايات اهل السنة ما يؤيد هذا المعنى
فقد أورد أبو القاسم بن حبيب في تفسيره بإسناده أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سأله سائل عن القدر فقال طريق دقيق لا تمش فيه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال بحر عميق لا تخض فيه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال سر خفي لله لا تفشه فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال علي رضي الله عنه يا سائل إن الله تعالى خلقك كما شاء أو كما شئت فقال كما شاء قال إن الله تعالى يبعثك يوم القيامة كما شئت أو كما يشاء فقال كما يشاء فقال يا سائل لك مشيئة مع الله أو فوق مشيئته أو دون مشيئته فإن قلت مع مشيئته ادعيت الشركة معه وإن قلت دون مشيئته استغنيت عن مشيئته وإن قلت فوق مشيئتة كانت مشيئتك غالبة على مشيئته ثم قال ألست تسأل الله العافية فقال نعم فقال فعن ماذا تسأله العافية أمن بلاء هو ابتلاك به أو من بلاء غيره ابتلاك به قال من بلاء ابتلاني به فقال ألست تقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال بلى قال تعرف تفسيرها فقال لا يا أمير المؤمنين علمني مما علمك الله فقال تفسيره إن العبد لا قدرة له على طاعة الله ولا على معصيته إلا بالله عز وجل يا سائل إن الله يسقم ويداوي منه الداء ومنه الدواء اعقل عن الله فقال السائل عقلت فقال له إلا صرت مسلما قوموا إلى أخيكم المسلم وخذوا بيده ثم قال علي لو وجدت رجلا من أهل القدر لأخذت بعنقه ولا أزال أضربه حتى أكسر عنقه فإنهم يهود هذه الأمة (انتهى)
وروى ابن عساكر
حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار النحوي قال حدثنا أبي قال حدثنا القاسم بن يزيد الهمداني حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا نوح بن قيس قال حدثنا سلامة الكندي قال قال شيخ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عند منصرفه من الشام أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أبقضاء من الله وقدر أم غيرهما قال علي رحمه الله والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ما علوتم تلة ولا هبطتم واديا إلا بقضاء من الله وقدره قال الشيخ عند الله أحتسب عنائي وإليه أشكو خيبة رجائي ما أجد لي من الأجر شيئا قال بلى قد أعظم الله لكم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون وعلى مقامكم وأنتم مقيمون وما وضعتم قدما ولا رفعتم أخرى إلا وقد كتب الله لكم أجرا عظيما قال الشيخ كيف يا أمير المؤمنين والقضاء والقدر ساقانا وعنهما وردنا وصدرنا فقال علي رضي الله عنه أيها الشيخ لعلك ظننته قضاء جبرا وقدرا قسرا لو كان ذلك كذلك لبطل الأمر والنهي والوعد والوعيد وبطل الثواب والعقاب ولم يكن المحسن أولى بمثوبة الاحسان من المسئ ولا المسئ أولى بعقوبة الاسائة من المحسن قال الشيخ فما قضاء والقدر قال علي العلم السابق في اللوح المحفوظ والرق المنثور بكل ما كان وبما هو كائن وبتوفيق الله ومعونته لمن اجتباه بولايته وطاعته وبخذلان الله وتخليته لمن أراد له وأحب شقاه بمعصيته ومخالفته فلا تحسبن غير ذلك فتوافق مقالة الشيطان وعبدة الأوثان وقدرية هذه الأمة ومجوسها ثم إن الله عز وجل أمر تحذيرا ونهى تخبيرا ولم يطع غالبا ولم يعص مغلوبا ولم يك في الخلق شئ حدث في علمه فمن أحسن فتوفيق الله ورحمته ومن أساء فبخذلان الله و أساءته هلك لا الذي أحسن استغنى عن توفيق الله ولا الذي أساء عليه ولا استبد بشئ يخرج به عن قدرته ثم لم يرسل الرسل باطلا ولم ير الآيات والعزائم عبثا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار(انتهى)
فهناك فرق بين مشيئة الله سبحانه وتعالى وبين ارادته وهناك فرق بين ارادة العزم وارادة الحتم
واضرب مثلا لتوضيح الفرق بين الارادتين واشير الى الفارق فان ارادة الله عز وجل مقرونة بالملك اما ارادة العبد فهي غير مقرونة بالملك
فاقول اذا اراد المرء ان يسافر فسيكون هو من عزم على السفر وهذه هي ارادة العزم ولكن اذا اراد ابنه ان يسافر وأذن له الاب فستكون ارادة الاب لسفر ابنه ارادة حتم لانه ليس هوالذي قهر ابنه وجعله يعزم على السفرولكن ابنه من عزم على السفر ولو لم يسمح الاب لابنه بالسفر ومنعه لما سافر الابن وبهذا يكون سفر الابن قد وقع بارادة الاب الحتمية وليست العزمية
وكذلك وقوع الكفر من الكافر ووقوع المعصية من العاصي فانها تقع بارادة الله الحتمية وليست العزمية لان الله عز وجل لم يقهره قهراعلى فعلها ولكن الله عز وجل هو خالق ومقدر الاسباب التي ادت الى وقوع المعصية وهو مالك الاسباب وقادر على سلبها او تعطيلها ولو سلبها او عطلها لما كفر الكافر ولما وقعت المعصية من العاصي وكذلك الحال مع المؤمن
وبهذا المعنى جاءت الايات الكريمات
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }الحج16
{فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125
{وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }هود34
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة41
وقال الله سبحانه وتعالى في ايات اخر
{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }الزمر3
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }غافر28
{إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ }النحل37
فاذا لم يرد الانسان الهداية بداية لا يهديه الله واذا لم يرد الانسان الضلال بداية لا يضله الله اما مسالة التسلسل والترجيح بلا مرجح فهي باطلة وسابين بطلانها في موضوع اخر ان شاء الله قال الله سبحانه وتعالى
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{27} لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ{28} وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{29}
فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10}
{ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } (51){ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (52) {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال53
وان ارادة الله سبحانه وتعالى هي تخصيص للمشيئة فالله سبحانه وتعالى يشاء ان يريد فان شاء اراد وان لم يشأ لم يرد فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن قال الله عز وجل
{مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً }الإسراء18
فجاءت المشيئة عامة والارادة خاصة
وان ابن تيمية لم يميز بين القضاء وبين القدر ولا بين ارادة العزم وارادة الحتم وعندما جهل هذا ابتدع القاعدة التي قال فيها ان القدر يؤمن به ولا يحتج به وقال ان القدر يحتج به في المصائب ولا يحتج به في المعائب وابتدع الارادة القدرية والارادة الشرعية والصحيح انه ليس لله سبحانه وتعالى ارادة قدرية ولا ارادة شرعية ولكن له ارادة ومشيئة اما التشريع فهو امر من الله سبحانه وتعالى وليس ارادة شرعية فالله سبحانه وتعالى اراد ان يشرع فشرع وامر ونهى وهذا داخل في عموم الارادة وليست ارادة خاصة
وان ابن تيمية لم يفهم قول الله عز وجل الذي حكاه عن ابليس حين قال فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم وحمله على ان ابليس احتج بالقدر والصحيح ان ابليس لم يقل هذا احتجاجا بالقدرولكن كان سبب اغواءه هوخلق الله سبحانه وتعالى لادم من طين فاعتمد طريقة القياس لوجوب طاعة الله عز وجل بدلا من ان يعتمد الصحيح وهو ان الذي يوجب الطاعة هو كون الامر صادرمن الله عز وجل وليست علة التشريع فغوى وجرى له ماجرى واختلف العلماء في معنى اغويتني والصحيح ان نسبة الاغواء الى الله عز وجل هو من باب نسبة السبب الى مسببه كما لو كنت عطشانا واعطاك احد ماءا وشربت وقلت له شكرا لك لقد ارويتني فليس معنى هذا انه هو الذي سقاك ولكن انت الذي سقيت نفسك وكان هو المسبب لاروائك وكان الماء سبب الارواء وكذلك قول ابليس اغويتني فان الله عز وجل لم يقهر ابليس على الاغواء قهرا فهو حر في ان يغوى او لا يغوى ولكن كان خلق الله عز وجل لادم من طين سببا في اغواءه اما عبارة ( بما ) فجاءت لمعنيين اثنين وكان لاضافة الالف الى عبارة بم اتماما للمعنيين فالاول هو الانتقام من ادم لشدة حقده عليه فعبارة بم هي تعيين لجواب عن سؤال مقدر أي باي شيئ اغويتني فيكون الجواب بادم فيكون المعنى انه بما ان ادم هو الذي اغويتني به فسانتقم منه ولاقعدن له ولذريته سراطك المستقيم واغويهم والثاني كان عنادا ومساومة لله عز وجل أي بما انك خلقت ادم من طين وجعلته مدعاة للاغواء فاغويتني به لاقعدن لهم صراطك المستقيم ولاصرفنهم عن عبادتك وبما انه ليس لابليس من الامر شيئ وانما الامر كله بيد الله سبحانه وتعالى فقد اقر الله عز وجل له المساومة واستجاب له طلبه بالانظار كي لا يكون لتهديد ابليس اعتبارا فان الله عز وجل هو الغني الحميد ولا يزيد في ملكه ايمان المؤمن ولا ينقص من ملكه كفر الكافر ولو رفض الله عز وجل طلب ابليس للانظارلكان لتهديده اعتبارا فيكون المعنى وحاشا لله ان الله يفتقر الى ايمان المؤمن فيتأثر فيمن يغويهم ابليس وقد يقول قائل ما وجه المقارنة بين الخالق والمخلوق كي يكون ابليس مساوما لله عز وجل فاقول لا وجه للمقارنة فان الله عز وجل قادرعلى هلاك ابليس ولكن رحمة الله سبحانه وتعالى وحكمته اقتضت ذلك لانه هو رب ابليس وهو رب العالمين وليتبين للناس سعة رحمته وعدله سبحانه وتعالى اما الغي فهو الاستدلال بغير الصواب وقد استدل ابليس بطريقة القياس على وجوب الطاعة وهي طريقة خاطئة فغوى وكذلك يغوى الذين يتبعون الشهوات
قال الله عز وجل
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً }مريم59
وان كثيرا من العلماء لم يميزوا بين القضاء والقدر وحشروا القضاء مع القدر مع ان الحديث الشريف ذكر ان من اركان الايمان هو الايمان بالقدر خيره وشره ولم يأت ذكر القضاء فيه وكذلك لم يميزوا بين ارادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته فمنهم من حمل معنى الارادة على انها المشيئة ومنهم من حمل معنى ارادة الحتم على انها ارادة العزم وكذلك في غيرها من مسائل العقيدة فقد أخطأ المرجئة والخوارج والمعتزلة والاشعرية والسلفية والاباظية والصوفية في فهم معاني ايات القران الكريم المتشابهة وفي فهم الاحاديث النبوية الشريفة وعلى اثرها تفرقت الامة الاسلامية ومن هؤلاء العلماء الامام احمد بن حنبل فانه لم يعرف القدر فقد روي عنه انه قال ان القدر هو قدرة الله وكذلك قال كثير من العلماء المعاصرين مثل هذا القول والصحيح ان القدر ليس هذا معناه والصحيح ان وقوع القدر لايتعلق بقدرة الله عز وجل ولكنه يتعلق بمشيئته اما قدرته سبحانه وتعالى فقد مضت في خلق المقدرات وتقديرها اما وقوع القدر فهو نتيجة تفاعل المقدرات نفسها الا ان تكون معجزة خارقة للمقدرات فانها تكون متعلقة بقدرة الله سبحانه وتعالى
البدعة الرابعة
قوله بان المشركين العرب موحدين او يوحدون الخالق وهذا لا يجوز فحتى لو قالوا ان خالق السموات والارض هو الله فان اطلاق هكذا كلمة على من وصفهم الله عز وجل بالمشركين في ايات كثيرة في القران الكريم يعتبر تجرؤا على الله سبحانه وتعالى
والصحيح ان المشركين العرب لم يكونوا يؤمنون ايمانا بان الله سبحانه وتعالى هوالخالق كما يقول ابن تيمية حسب فهمه الخاطئ لايات القران الكريم ولكن كانوا يقرون تعجيزا بهذا فان الله عز وجل قال
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25
وهذا ليس ايمانا منهم به ولكن لانهم لايملكون جوابا غيره فهم لا يستطيعون ان ينسبوا الخلق الا لله سبحانه وتعالى ولو نسبوه لالهتم او لانفسهم او لاي مخلوق اخر لكانت حجتهم داحضة لان الخالق لابد ان يكون هو الاول ليس قبله شيء وهذا ما يعجزون ان يثبتوه لغير الله سبحانه وتعالى ولذلك يضطرون اضطرارا الى الاقرار بان الخالق هو الله وليس ايمانا منهم به ولذلك قال الله عز وجل
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25
فليس في الاية الكريمة مايثبت ايمانهم بما يقولون ولكن جاءت لتظهرعجزهم عن اثبات الخلق لغيره سبحانه وتعالى ولذلك قال الله عز وجل قل الحمد لله أي الحمد لله الذي جعل حجته هي الغالبة
فلا يجوز القول بانهم موحدين او يوحدون ويجب ان يقال عنهم انهم مقرين او يقرون بان الخالق هو الله وقد قال ابن تيمية هذا عنهم في مواضع كثيرة ولكنه حمل معناه على انهم يؤمنون به ايمانا والصحيح انهم ليسوا كذلك فيجب الاشارة الى ان اقرارهم عن عجز وليس عن ايمان وقد كذبهم وكفرهم الله عز وجل فقال
{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }الزمر3
البدعة الخامسة
ايجاده للحسبة وهو تخصيص جماعة معينة من المسلمين للامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراقبة الناس والتدخل بشؤونهم ومحاسبتهم وهذا ما لم يامر به الله عز وجل ولم يرد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم وقد ابتدع ابن تيمية هذه البدعة نتيجة فهمه الخاطئ لايات القران الكريم فان الله عز وجل قال
{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104
فكان معنى امة شاملا لكل افراد الامة كما جاء في اية اخرى
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110
ولم يكن المعنى لطائفة منها فقد قال الله عز وجل
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122
وكذلك قال الله عز وجل في نهاية الاية واولئك هم المفلحون فلو كان المعنى لطائفة من الامة لكان افراد هذه الطائفة فقط هم المفلحون دون بقية الامة
وقال النبي صلى الله عليه وسلم من رأئ منكم منكرا فليغيره بيده الى اخر الحديث فكانت الدعوة لكل الامة وليس لجماعة خاصة
فكان ابتداع ابن تيمية للحسبة مخالفة للقران الكريم ولسنة النبي صلى الله عليه وسلم
ومن شأن الحسبة ان تفرق بين المسلمين وتسلط بعضهم على بعض وهذا ما لا يرضاه الله ورسوله وكذلك من شأنها التجسس على المسلمين وقد نهى الله تبارك وتعالى عنه وقد شرع الله عز وجل اقامة الحدود على المذنبين للردع وليس للانتقام وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم يدرأون الحدود عن المسلمين بالشبهات اما الحسبة فمن شأنها ملاحقة المذنبين واقامة الحدود عليهم
الفصل الثاني
اخطاء ابن تيمية
يتبع