محمد الديرية طبيب وكاتب صومالي يصف الأردن والأردنيين

المواضيع التي لا تتبع اي قسم آخر

المشرف: Red-rose

قوانين المنتدى
• يرجى وضع المواضيع التي لا تناسب المنتدى العام في المنتديات الاخرى المناسبه لها
• يمنع وضع اي مواد محمية بحقوق نشر دون موافقه مسبقه من صاحبها
• القوانين العامه
أضف رد جديد
صورة العضو الشخصية
Khaled Qudah
مشرف عام
مشاركات: 2980
اشترك في: السبت يونيو 07, 2008 10:18
مكان: Amman - Jordan
اتصال:

محمد الديرية طبيب وكاتب صومالي يصف الأردن والأردنيين

مشاركة بواسطة Khaled Qudah » الثلاثاء يونيو 06, 2017 3:12

صورة



محمد الديرية طبيب وكاتب صومالي يصف الأردن والأردنيين في مقال جميل تحت عنوان كرام ولكنا مفاليس يقول فيه :

كنت قد أخبرتك عن أيامي في افريقيه .. وكتبت لك عن السودان وأهله .. وقد شمألت بي الأيام فرمت بي عبر الأردن .. أي شرق النهر لاغربه .. وكانت وقت قدومي آخر مابقي من تلك البلاد .. فلم أعبر باتجاه دمشق وهي حاضرة الشام وجنة أهله ومنارة القاصدين قبل ذلك العام .. وجرت عادة أهل تلك الديار أن تطلق الشام على دمشق لا على سائر شمال العروبة كما درج أهلونا في لسانهم , ولعل في هذا تشويقاً لك وحرماناً لمن اقترب ولم يصل .. وعلى أية حال فأن تسافر جيداً خير من أن تصل كما قال بوذا يابني .

أتيتها جواً فلم أبصر مائاً من عل .. وكان الوقت ليلاً فلفحنا برد لطيف كأن نسيمه جو الطائف أو صبا صنعاء .. واصطففنا صفاً طويلاً من العرب وكثير من الأعاجم .. يقدم الواحد منا على عربي يستلم جوازك ويبتسم اقتضاباً كمن رابه شك فلم يتأكد منه بعد .. ثم أمرنا بوضع أعيننا على جهاز يبصر في انسان عينك ضوئاً لم أعهده من قبل .. وسألني عن سكناي فما احترت ولا ترددت .. ناولني الجواز ثم قال لي : مرحباً بك في الأردن .

وقد وجدت بلادهم نظيفةً يشدها الغلاء , جبليةً قليلة الخضرة والماء , جل عمالها من مصر المحروسة , صحة الناس بادية في ملابسهم وألسنهم بها مزيج من رقة الشام وجفوة أعراب الجنوب .. على أن أصواتهم عميقة القرار كمن دلق في حلقه فنجان قهوة خالي السكر .. يحدثك الرجل منهم فتظن نفسك أمام شاشة الأخبار .

وأرضهم غير مبسوطة , فلا تنزل من جبل إلا وتصعد أخاه , ذكرتني بكمبالا عاصمة يوغندا ونيروبي ومدناً أخرى مررت بها ولست أذكرها , بنيت على سبعة جبال فوق سبع أراضين , وقد درجوا على استغلال كل متر في بيوتهم , ففي ناصية كل بيت موقف للسيارات يكون جزئاً من أرض الباني , ومطل على الشارع يدعى الترس يستغلونه عادة حين يطيب الجو ويحلو السمر فيلقون السلام على العابرين أو يدخون الأرجيلة في جلسات جماعية , وهم قوم يقدرون الكيف والعصاري ويشربون القهوة سائر الصبح , ولم أجد للشاي في أرضهم ميزه , غير أنهم مدخنون ولايجدون غضاضة في تقديم السيجارة كجزء من تقاليد الضيافه ولايكاد يخلو مكتب أو صالة انتظار من منفضة السجائر.

والمدينة مبنية على نظام انجليزي عتيق في جعل حركة السير دائرية مربوطة بسلسلة من الأنفاق .. الاشارات الضوئية قليله والأولوية في الدوار لمن قوى قلبه وأغمض عينه وكاتف الآخرين .. على عبوس في ملامحهم وإن لم تخل أرواحهم من طيبة لاينكرها إلا جاهل أو عذول .

وهم قوم عمليون جداً , ورثوا عزيمة رجال الجبال ودهاء التجار من نابلس ودأب الفلاحين جهة الشام , يستيقظون باكراً ولايجدون وقتاً للقيلولة أو نوم النهار , يعمل الرجل منهم في وظيفتين , وإن سألتهم عن عبوس ملامحهم وكشرة نزلت فيهم أخبرك الأردني أن غلاء المعيشة لايترك فرصة لشيء إن كان من أهل المدن, أما إن كان من البدو افتخر وقال لك أن الكشرة مهابة .. ومن ثم يطلق ضحكة الواثق من كذبته البيضاء .

وقد يطول حديثي لك عن عمان .. لكنك لن تجد الإنسان الحقيقي في مدينة ضمت كل نكبات العروبة كبيت قديم يلجأ إليه من غير تردد كل من ضاقت به أرض عربية .. لكن الأردن لايشبه الأم كمصر أو العراق أو حتى اليمن .. ولايشبه أباً طويل القامة مجروح الكتف كسوريه الحبيبه .. يقع كجغرافيته تماماً مكان الأخ المتزوج من ابنة عمك .. لاتتردد في طرق بابه ولكنك لاتطيل المكوث حيائاً أو خجلاً أو عودة لاتجاه جديد .. إذ يصعب الحديث عن الأردن دون التفاتة باتجاه فلسطين .. كل شهقة هنا مقدسية الهوى .. ولاتقابل ثلاثة دون أن يكون اثنان بقاف محكوكة الأطراف من طولكرم أو مد كحزن ليل الخليل .. وإن سألت تكسيا عن أصله فأجابك أنا من مواليد عمان فلا تستغرب .. لكن إن قال لك من سحاب أو من شفا بدران أو حتى من وادي السير فتمهل .. مازالت عشيات وادي اليابس ببعيدة عن فم عرار .

وقد تطورت المدينة بعد اجتياح الكويت .. عاد الفلسطينيون محملين بجراح على أطرافها رؤوس أموال وكفائات افادت البلد واستفادت منه .. كل نكبة عربية تبات أول ليلة في مطار الملكة علياء بالأردن يابني .. ومن ثم ازدهرت بعد اجتياح العراق واحتلاله .. وعلك سامع هذه القصة ألف مرة ولو قدمت عمان بعدي بألف عام .. والحديث عن السوريين وملاجئهم شيء يدمي القلب ويسافر ناياً حزيناً باتجاه أقدم عاصمة للدنيا .. يبات بنوها في مخيمات وزعت بإتقان على أطراف الصحراء .. وإن يكن الأردنيون قد استضافوا الليبين جرحى والسودانيين مرضى واليمنين طلاباً وأصحاب مطاعم .. إلا أن يدهم وصبرهم كان أطول مع نكبات دول الجوار .. ابتدائاً من اقتتال الأخوة الأعداء في لبنان وطائفية مابعد سقوط صدام وجنون بشار وإجرامه في حق شعبه .

وقد زرت المخيمات الفلسطينية في بيروت وشتان بينها وبين دور الفلسطينين بعمان .. هذا الرقم الوطني يتقاسمونه في هذه البلاد كما يتقاسمون فنجان القهوة وصوت فيروز على الصباح .. لكن الفلسطينين مسكونون بالعودة ومتذمرون من المحسوبية والبطالة في بلد شحيح الموارد من أساسه .. وهذا لاينفي أن يكون منهم رؤوس أموال ضخمه وأساتذة أفذاذ .. لطالما كانت النكبة ثقباً أسود في رئة كل عربي .. لكن هذا الانسان الجبار طوعها شهادات واستثمارات وإنساناً صعب المراس .. عائلاتهم معروفة غير ممتده .. وفردية الفرد منهم عاليه .. قد تعاني معهم لكنك تعود رافع القبعة له أول المساء .. لطالما قلت أن كل الشعوب التي مررت بها كانت سهلة الوصف .. منداحة المتن لعين عابر قديم .. لكن كيف بربك تصنف شعباً قطعت أرضه لأربعة أجزاء وشتت في المنافي ووقف بنوه طويلا أمام كل ضابط جوازات ؟!

والمخبرون في هذه البلاد معروفون بسيماهم .. تشم رائحة المصدر وهو يجرك لسؤال عن آخر رفع لأسعار البنزين .. وتحترم ذكاء المخبر حين يعرف نفسه بضابط في المخابرات بعكس كل الدول العربيه , وأنت يابني إن جئتها محتاج لشهادة حسن سيرة وسلوك في كل معاملة حكوميه .. لكن للأمانة لن تجد احتراماً في وزارات وطنك كما ستجده وأنت تتوه وتسأل ضابطاً أردنياً عن طريق بديل أو تحلف له باستعجالك وهو يقسم ويطلق زوجته مرتين إن لم تنزل لتقاسمه قهوة سوداء أو – يكسبك – كما يقولون هنا في منسف ساخن أعدته العائلة قبل قليل .

وعلى ذكر المنسف .. مر داعية تلفزيوني – وهو رجل لن تذكره الأجيال على أية حال – لافتتاح معرض الكتاب بعمان , تخيل أن يأتي داعية تلفزيوني ليفتتح معرضاً للكتاب في أرض أنبتت عرار وكتب عنها عبدالرحمن منيف وسجن لأجلها هاشم غرايبه لعشر سنين .. ثم دعي – كعادة الكرام هنا – إلى منسف أردني .. لحم مطبوخ بلبن أمه كما وصفه المسيح وهو يوصي بتجنب أرض البرابرة كما جاء في العهد القديم .. يرتكز شامخاً على أرز أبيض .. شيء تدخل يدك فيه فلا تخرج إلا مدسمة الأطراف مشرئب العنق بلبن ثخين مالح يدعى الجميد , ويزدان كل هذا بخبز يدعى خبز الشراك على أطرافه فيأتدم اللحم بالخبز ويمسي أقرب لوصف حسان بن ثابت رضي الله عنه حين مدح الثريد فقال :

إذا مالخبز تأدمه بلحم : فذاك أمانة الله الثريد

دعي الرجل إلى مأدبة القوم .. وهم يأكلونه وقوفاً احتراما للحم وخوفا على الضيف من الشبع , ويأسرونك بالحديث حتى تصافح مقابلك على كف كسيت بالخبز والحب ومرأى وجوه النشامى .. فما استساغ الأكلة وذمها قائلاً : ليتهم قدموا لي شاورما , وتلك وأيم الله منقصة للحر .. أن يذم طعام ضيفه , ومافعل ذلك أبو القاسم بأبي هو وأمي ولا زاد على أن قال : لم يكن بأرض قومي فآكله .

وقد جلت ديارهم فما أوقفني عسكري ولا طلب مني اقامة أو تأخرت معاملة لي في دائرة حكوميه , اللهم إلا ماكان من مدخل ضيق لميناء يدعى العقبه , أوقفنا فيه مخبر عتيق وتناول اثباتي وصديقي اليمني ثم بدأ بإرسال رسائل مبطنة عن الربيع العربي واستقرار الأردن , ولمزنا باضطراب بلداننا , فما كان منا إلا أن سألناه لماذا لم يوقفنا حر في طريقنا للشمال ولا استجوبنا بدو الجنوب الكرام بينما تقيم مدخلا ضيق الفوهة على حدودنا مع ايلات ؟

وقد شمألنا فنزلنا اربد وألقينا نظرة أسى المخصي على فلسطين المحتله وصافحنا درعا الكرام بالعين دون اليد .. واستضافنا فتى من العمرو يدعى الأمين الربيع .. ولعمري إن وجهه الربيع وقرى ضيفانه البشاشة واصطفاف شيوخ العشيرة للاحتفال بشاعر سوداني نال جائزة الشارقة لهذا العام يدعى محمد عبدالباري ويماني وجهه ينوب عن قبيلة في المغنم والمكره وسعودي كريم جاء من بعيدة ليتم عقد العروبة التي لاتنتظم إلا برائحة عرار نجد ..

وإنك إن جئتها لواجد هوائها من أطيب هواء الأرض .. وأرضها جبالاً كسيت بالخضرة كأن طفلاً أحبه الله دار بالياسمين فحفها حفا , وتخالك تمشي في أرض العروبة حين تمشي بالدروب فلا تميز الشامي من المصري إلا في مطعم عراقي أو ناصية يمانيه , على أن القوم مليئون برموز التعظيم وألفاظ التبجيل لكبارهم , فينادون أكبرهم بالعطوفة وأصغرهم بعامل الوطن كنابة عن القائم بتنظيف الشوارع , ويدعون المراسيل بينهم بالمكاتيب , ولا تكاد تجد عجمة رغم وجود الشركس والشيشان والأكراد بينهم , كأن هذه الجبال ضمت الجميع ضم الأم فما عاد ثمة غريب هاهنا .

إلا أن الفطين ليألف تباين القوم سياسيا وجغرافيا وعرقيا بتمايز أهل المدن والتحضر .. يكفي أن تعرف الفريق الذي يشجعه مقابلك حتى تضع اصبعك على جهة في الخريطه , وإن وجدت شيخاً بعمامة نقطت بالأبيض والأسود فلا تظنن لهجته كلهجة صاحب الشماغ الأحمر .. وغني أنت عن سؤال أهل الدار منبتهم إن قربوا لك مسخناً أو اصطفوا جوارك لمنسف .
ولا تغادرها قبل أن تصعد عجلون ,, تلك العدن ,, حيث لو ولد فيها أعجمي لأمسى شاعراً , وزر قلعة صلاح الدين وإن كنت من أهل الكيف فلا تفوت شرابا يعتقه الربضية من مسيحية تلك الديار .

وقد وجدت سماحة نصارى الشام هاهنا .. تعرفهمهم بأسماء عوائلهم وصليب يتدلى من أعناق بعضهم .. يتنقلون بين التجارة والطب مهنة سيدنا المسيح عليه السلام وهم كرام كبقية القوم , يكسبون الضيفان ويصلون الود , ولاتشعر معهم بتلك الجفوة التي يجدها المسلمون عادة من بني مذهبهم من الشيعة مثلا .

وغض النظر إن مشيت في تلك الدروب .. حيث جمع الله لنسائهم فتنة الغرب ونطق العرب .. فإنهم مشهورون بغضبة للمحارم ولين للغريب , وقد يذهب الفتى منهم قتيلا فيدفن على فنجان قهوة إن جاء بالعار , غير أن عمان مليئة بدروب الهوى وهي لاتخفى , لكن ذلك ليس سجية أهل البلد ولايريدون يوماً أن تكون ديارهم مقصدا للفحش والخنا وإن لم تخل منها .
واشغل نفسك بالتنزه والمشي في دروب اللويبده حيث البيوت العتيقة واصطفاف الورد على جدران سكانها الطيبين , وانزل لهاشم فقد ورد في الأثر عن صديق قديم : من زار الأردن ووقف بجوار العلم فما زارها , ومن تصور في مطعم هاشم فقد جاء عمان وإن لم يزرها !

وجر القدم باتجاه حبيبه وصف مع السادة الفقراء طويلا بوسط البلد , حيث الكنافة التي لامثيل لها في كل الجهات , ثم اشرب شايا في مقهى السنترال الذي أنشيء سنة 1930 م وكان مجمع الشيوعيين طويلا حتى بات شبيها لتاريخهم بقدمه ونتوء جدرانه وصوت أم كلثوم الذي يتنهد ولايكاد يبين , واطلب مقعدا – كعادتهم – على ترس ذلك المقهى أو بلكونته وتأمل مليا المكتبة الأهلية وأقدم مقر لجماعة الإخوان المسلمين كبرى الحركات الاسلامية المعارضه أمامك مباشرة.. وتذكر وجه المخبر في مدخل العقبه ويداً مدت لكريم على سدر منسف وصوت ماجده وهي تغني : أعود وكلي حنين , وتذكر صليباً على صدر سمراء من قوم عيسى وضحكة عراقي حزين في مشرب ليس بعيداً كوجه مظفر , واقلب صفحتي هذه حال وصولك واقرأ على صدرها رداً لعرار حين وضع قرشاً من ذهب في سنة المجاعة وكتب على ظهره أجمل وصف لأهل هذه الديار الجميله :

الله يعلم والأيام شاهدة : أنا كرام .. ولكنا مفاليس

صورة العضو الشخصية
اردنيه حنونه
عضو فعال
عضو فعال
مشاركات: 160
اشترك في: الثلاثاء إبريل 04, 2017 6:09

محمد الديرية طبيب وكاتب صومالي يصف الأردن والأردنيين

مشاركة بواسطة اردنيه حنونه » الأحد يونيو 11, 2017 12:43

جمييييل.... يعطيك العافيه

أضف رد جديد

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 45 زائراً