الترفيع التلقائي ترتيب تربوي سليم

لجميع مراحل التعليم المدرسي والجامعي
أضف رد جديد
Red-rose
صديق المنتدى
صديق المنتدى
مشاركات: 58336
اشترك في: الأحد سبتمبر 28, 2008 1:33

الترفيع التلقائي ترتيب تربوي سليم

مشاركة بواسطة Red-rose » الأحد مايو 10, 2015 2:14

صورة

كلما انكشفت سلبيات في التعلم والتعليم في المدرسة و(الجامعة) بادر نفر من الكتاب والمعلقين المحترمين الحريصين، وبحسن طوية ونية، الى اتهام الترفيع التلقائي المعمول به في المدرسة بالمسؤولية عن تلك السلبيات، فهل هو حقا المسؤول عنها؟ لقد أخذت بلدان كثيرة في العالم بهذا الترتيب منذ زمن بناء على ما يلي:

أولا: لأن الطفل السوي غير المعوق إعاقة بالغة، قادر على تعلم أي شيء إذا تم تعليمه إياه بصورة صحيحة، كما يفيد أفضل المربين، وأن ما يتعلمه في المدرسة من قراءة وكتابة وحساب وعلوم ... أقل صعوبة وتعقيداً بكثير مما تعلمه في الأسرة قبل التحاقه بالروضة والمدرسة مثل لغة أهله (أو لغتيهما) مهما كانت صعبة، والمهارات الشخصية الكثيرة التي اكتسبها في تدبير شؤونه كالأكل بالشوكة، أو بالعودين، أو في لبس ملابسه، أو في ضبط حاجاته... وعليه فإنه يستطيع تعلم تلك المواد الدراسية إذا تم استخدام الأساليب المناسبة معه. ولما كان هذا هو الأصل فلا يجوز رسوبه أو ترسيبه في صفه بحال من الأحوال.

يجب على المدرسة ــ إدارة ومعلمين ومعلمات ومشرفين ــ متابعة تعلمه أولاً بأول وتقديم المساعدة له وتخليصه من أي ثغرة حتى لا تتراكم الثغرات عنده، فيبدو بليداً. لقد أضيف إلى كثير من المدارس ما يسمى بغرفة المصادر لمعالجة صعوبات التعلم عند الأطفال. ويمكن اعتبار ضعف الطفل في القراءة أو الكتابة أو الحساب... صعوبة، ومساعدته على تجاوزها في حينه، ومعلمين ومعلمات وإدارات. وعليه فإن المسؤولية تقع على المدرسة لا على الطفل أو التلميذ، ولا يجوز أن يتحمل عواقبها.

إن الرسوب أو الترسيب بمثابة عقاب للبريء الضعيف وتبرئة الجاني القوي. سائلوا الجاني كل يوم بالاختبارات بالعينة الممثلة، وبالمشرفين التربويين الميدانيين والمركزيين، وبزيارات المسؤولين الخفية، أم أن الذي لا يقدر على تطويع الجمل يركب القعود. كما يجب ولا يزال على وزارة التربية والتعليم ومديرياتها الميدانية وتحالفاتها الجامعية توعية المعلمين والمعلمات بذلك في دورات وورش، كل جديد منهم يلتحق بالمهنة قبل بداية العام الدراسي بدلاً من تهديد الأطفال والأهلين بهما.

ثانيا: إن الرسوب أو الترسيب مذل للطفل ولذويه، وقد يعمل على زيادة صعوبة التعلم عنده، وقد يدفعه (وهو الأعم الأغلب) الى التسرب من المدرسة الى غير رجعة وزيادة عدد الأميين في المجتمع. عندما يرسب الطفل لا يحظى بأي عناية خاصة تمكنه من اللحاق بسربه في المادة ذات العلاقة؛ لأن المدرسة الآن تترك الراسبين يواجهون مصيرهم وحدهم كما كان عليه أمرهم في السنة الدراسية السابقة. وعليه فإنه أفضل ألف مرة له نفسياً وتربوياً أن يُرفّع، فمقامه الاجتماعي بالرسوب او الترسيب او التسرب يهبط، فعندما يسأل عن تعليمه يضطر للقول إنه راسب او متسرب من الصف السادس مثلا. وبترفيعه التلقائي الى نهاية المرحلة الأساسية أو الثانوية يرتفع مقامه، وتتحسن – مثلاً ــ فرص زواجه وعمله. وسوف يجد طريقا في المستقبل للتغلب على الصعوبات والنجاح في العمل والحياة.

تحضرني بهذه المناسبة حادثة الآذن شبه الأمي في إحدى مدارس طولكرم (ص.أ) الذي كان يُغلّب المرحوم عرفات عندما كان يزورها، إذ إنه كان يتصدى له من وسط الجموع بخطب وبكلام فصيح وقوي يعجز عنه خريجو الجامعات. كان الحضور يندهشون من بلاغة خطابه وقوة شكيمته، وعندما كانوا يسألونه أين يعمل كان يجيب: أعمل في سلك التعليم.

يهولون ويملأون الجو ضجيجاً عند العثور على أقل من اثنين في المائة من طلبة امتحان الثانوية العامة الذين سلموا أوراقهم بيضاء، فهل كان هذا عائداً للترفيع التلقائي؟ لعله لأسباب أخرى لم تقم الوزارة بدراستها ومعرفتها والإفصاح عنها. ثم هب أن (2 % ) من التلاميذ لا يقرأون ولا يكتبون. إن النسبة متدنية جداً ولا تدعو إلى القلق في عصر الكمبيوتر والهاتف الخلوي الذي يستطيع الطفل أو المرء الكتابة عليهما باللمس والاستماع الى المكتوب بالأذن. لقد تنبأ المستقبليون بعد اختراع الكمبيوتر والإنترنت وتطورهما بحملة دكتوراة أميين. إن الأطفال اليوم ولأول مرة في التاريخ أقدر من ذويهم ومعلميهم ومعلماتهم في التعامل مع تكنولوجيا الاتصال الجديدة، ولكنهم يرسبون في مادتها عندما تصبح مقرراً مدرسياً.

ثالثاً: بالإضافة الى المبرر النفسي والتربوي للترفيع التلقائي، هناك مبرر اقتصادي: إن اعتماد نسبة خمسة في المائة ــ مثلاً ــ من التلاميذ للرسوب او الترسيب، يعني رسوب أو ترسيب خمسين ألفا من مليون طفل كل عام. وفي إحدى عشرة سنة يعني أكثر من نصف مليون طفل راسبين أو مرسبين في المدارس. وبتحويل هذا العدد إلى شعب أو غرف صفية بمقدار خمسين طفلاً في كل منها، تحتاج الوزارة إلى عشرة آلاف غرفة لاستيعابهم، والى نحو خمسماية مدرسة بحجم عشرين غرفة صفية في كل منها، ولأكثر من عشرة آلاف معلم ... وهكذا.

وقد يرد أحدهم عليَّ فيقول: إن الفراغات في الصفوف القائمة سوف تمتص الكثيرين منهم ولكنها تشكو من الازدحام الشديد، كما لن يبقى اي فراغ عندما يأخذ الرسوب أو الترسيب المدى.

الأولى من الرسوب والترسيب، وبعد توعية المعلمين والمعلمات بضرورة الالتزام بمتابعة التعلّم أولاً بأول، إلزام الأهلين بإلحاق أطفالهم في سن التعليم في المدارس، وإبقائهم فيها حتى نهاية المرحلة الأساسية على الأقل تنفيذا لقانون التعليم الإلزامي وليس زيادة الطين بلة. إن الرسوب والترسيب سيثقلان كاهل الأهل وكاهل الوزارة بالتزامها الإنساني بقبول أطفال اللاجئين السوريين وغيرهم في المدارس التي تزداد بالرسوب والترسيب ازدحاماً.

يفيد أمين عام وزارة التربية والتعليم بالوكالة أن الوزارة بحاجة لخمسماية مليون دينار لاستيعاب الأعداد المتزايدة من السوريين والأردنيين، وأن عدد الطلبة السوريين في المدارس بلغ ماية وثلاثين ألفاً، وأن خمسة وثلاثين ألفاً منهم ينتظرون الالتحاق بها، وأن عدد التلاميذ في غرفة الصف في شمال المملكة وصل إلى ثمانين، وأن مدة الحصة في مدارس الفترتين تقلّصت إلى ثلاثين دقيقة بدلا من خمس وأربعين، وأن كثيرا من المدارس مستأجر (الغد في17/ 4/ 2015).

باقتصادات التعليم التي هي أحد اختصاصات الكاتب النظرية والتطبيقية، تحتاج الوزارة الى أضعاف هذا المبلغ لتلبية الأعباء التعليمية الجديدة. وبما أن قشة – كالرسوب والترسيب – قد تكسر ظهر البعير، فهل تبقى ثمة حاجة الى وضعها على ظهره؟ لكنها حيلة العاجز المستبد.

أضف رد جديد

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 16 زائراً