القصاصون الرقميون بقلم أسامة شحادة

الدين والشريعة

المشرف: manoosh

أضف رد جديد
صورة العضو الشخصية
مدير المنتدى
مدير المنتدى
مشاركات: 3924
اشترك في: الخميس مايو 22, 2008 1:35
مكان: عمان, الأردن
اتصال:

القصاصون الرقميون بقلم أسامة شحادة

مشاركة بواسطة مدير المنتدى » الجمعة يوليو 11, 2008 8:39

تفتح البريد الإلكتروني فتجد رسائل عديدة تدعوك للمشاركة في كسب الأجر، وتحثك على نشر الخير من خلال معاودة إرسالها لمن تعرف، وعادة ما تذيل الرسائل بعبارة "لا تجعلها تقف عندك"، وحين تطالع محتويات الرسالة تجدها أحاديث غير صحيحة عن فضائل لسور أو آيات من القرآن، أو قصة خيالية عن توبة أحد الأشخاص، أو خبر عن إسلام شخصية مرموقة، أو صورة عن حدث غير عادي كصورة شجرة تحمل لفظ الجلالة "الله" أو ما شابه ذلك.

وقد ثبت أن كثيراً من هذه الأخبار والصور مفتعلة ومركبة بواسطة برامج التصميم والرسم على الكمبيوتر، وأن بعضها من صنع غير المسلمين للاستهزاء بهم وإظهار قلة عقولهم وقبولهم للخرافات، كما في صورة غابة الأشجار التي تشكل كلمة "لا إله إلا الله" أو صورة الفتاة التي تحولت إلى فأر، أو صورة الجني في أحد كهوف الإمارات. أما فضائل الآيات والسور فللأسف فإن أغلب ما يرسل عبر البريد الإلكتروني غير صحيح، رغم أن شبكة الإنترنت تحوي العديد من الموسوعات الحديثية الموثقة، التي تحتوى على أحاديث الفضائل الصحيحة، لكن الطبع البشري يميل للغرابة والإثارة، وهذه لا تجدها إلا في الأحاديث المكذوبة والضعيفة مثل حديث عقوبة تارك الصلاة، وأنه يعاقب بخمس عشرة عقوبة، فهذا حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، رغم أن تارك الصلاة توعده الله عزّ وجل بدخول النار كما في قوله تعالى "قالوا ما سلككم في صقر، قالوا لم نك من المصلين".

وغالب هذه الرسائل والإيميلات تأتى من مجموعات بريدية مقصدها الخير ونشر الدين، لكن هذه الظاهرة تذكرني بظاهرة القصاص التي عرفت قديماً في تاريخنا، لذلك نحتاج إلى عدة وقفات معها:

1- القصاصون هم قوم يسردون القصص ويكثرون منها، فتراهم يسردون قصة تلو قصة، معرضين عن القرآن الكريم والسنة النبوية، ويغلب على هؤلاء الإتيان بقصص غير صحيحة السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا سليمة المعنى، وحجتهم في ذلك أن الناس تحب القصص وتقبلها أكثر من الوحي المتمثل بالقرآن والسنة الصحيحة.

والقصاصون ظاهرة عرفت في تاريخنا بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: "لَم يكن يُقصّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد أبي بكر، ولا عهد عمر، ولا عهد عثمان، وإنَّما هو شيء أُحدث بعدما وقعت الفتنة". وبدأ هؤلاء القصاص، وهم غالباً من الجهلة، باختراع القصص الجذابة، والكذب متعمدين على النبي صلى الله عليه وسلم، برغم الوعيد الشديد والتحذير الواضح من خطورة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ومن حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين أو الكاذبين" لأن الكذب على النبي هو كذب في الدين والتشريع، واشتهر هؤلاء القصاصون في معرض تبريرهم بقولهم "كذبنا له لا عليه!" وهذه حجة سخيفة لأن الإسلام والدين والسنة النبوية كاملة لا نقص فيها كي تحتاج لأكاذيب القصاص وافتراءاتهم لتكتمل بها. وقد صنف عدد من أهل العلم من القدماء والمعاصرين كتباً في نقد هذه الظاهرة، مثل الإمام السيوطي الذي ألف كتاب "تحذير الخواص من أكاذيب القصاص" والإمام ابن الجوزي صاحب "القصاص والمذكرين" والحافظ العراقي في كتابه "الباعث على الخلاص من حوادث القصاص"، وشيخ الإسلام ابن تيمية في بعض رسائله، واهتم بهذا الموضوع من المعاصرين د.محمد لطفي الصباغ في عدة كتب له، منها "تاريخ القصاص وأثرهم في الحديث النبوي".

2- القصاصون كانوا ستاراً دخل من خلاله كثير من الحاقدين على الإسلام لنشر سمومهم، عبر ترويج قصص خرافية وأحاديث موضوعة تعمل على هدم الدين من خلال التهوين من شأن العبادات والطاعات، ورفع شأن أعمال غير شرعية لتصبح لها الأولوية في حياة المسلم، وأيضاً فإن كثيراً من البدع والمحدثات ما راجت إلا من خلال القصاص.

3- انتشار القصص والاعتماد عليها هو علامة سلبية تعيق نهضة الأمة، كما في حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن بني إسرائيل لما هلكوا قَصُّوا"، وحسن إسناد الحديث العلامة الألباني وعلق عليه بقوله: (قال في "النهاية": أي: اتكلوا على القول وتركوا العمل، فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس؛ لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص"، وأقول –أي الألباني-: ومن الممكن أن يقال: إن سبب هلاكهم اهتمام وعّاظهم بالقصص والحكايات دون الفقه والعلم النافع الذي يُعرِّف الناسَ بدينهم فيحملهم ذلك على العمل الصالح، لما فعلوا ذلك هلكوا، وهذا شأن كثير من قصاص زماننا الذين جل كلامهم في وعظهم حول الإسرائيليات والرقائق والصوفيات). السلسلة الصحيحة": رقم 1681.

4- القصة لها وقع في القلب وتأثير في السامع، ولذلك أرشد الله عز وجل إلى استخدام القصة بشرط أن تكون صحيحة من ناحية المعنى والوقوع، كما في قوله تعالى "فاقصص القصص لعلهم يتفكرون" وقوله تعالى "نحن نقص عليك أحسن القصص"، لكن جعل القصص سلماً لرواية أكاذيب الإسرائيليات والخرافات وكرامات الأولياء التي تشبه حكايات ألف ليلة وليلة، لا يجوز.

5- مما ساهم في ترويج هذه القصص المكذوبة من جديد: بعض الدعاة الجدد على الفضائيات وبخاصة عمرو خالد والحبيب علي الجفري، اللذين يكثران من إيراد القصص المكذوبة والأحاديث غير الصحيحة، وقد قام الدكتور خلدون مكي الحسني بنقد الأحاديث والحكايات التي قام الجفري بعزوها فقط، دون ما لم يعزوه من القصص الموضوعة، فخرج بتأليف كتاب "إلى أين أيها الحبيب الجفري؟ وقفات مهمة وتنبيهات مهمة على كتاب معالم السلوك للجفري"، وقدّم لكتاب الحسني كلٌّ من الدكتور مصطفى الخن والشيخ كريم راجح، وقد توصل المكي إلى وقوع الجفري في تجاوزات خطيرة في تصحيح الأحاديث الضعيفة، وتضعيف الأحاديث الصحيحة، ولذلك يجب على دعاة الفضائيات الحذر والتثبت في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن حديثهم يدخل بيوت ملايين المسلمين.

6- غالب من يروّج لمثل هذه الرسائل والإيميلات، هم من الشباب المتعلم والمثقف، لكن هذا يكشف لنا عن هزال هذا التعلم والتثقف ويظهر وجهاً آخر لأزمة التعليم اليوم، حيث أصبحت المؤسسات التعليمية لا تخرج متعلمين بقدر تخريجها متلقين وحملة شهادات لا يملكون آلة العلم والفكر، فكيف يقوم مهندس أو طبيب أو محاسب أو معلمة مثلاً، بترويج حديث أو قصة دون تثبت رغم أن ذلك متاح بكل يسر على شبكة الإنترنت التي يرسل من خلالها الرسالة؟! ولماذا لا يتمكن مثل هؤلاء المتعلمين من التفريق بين المعلومة الصحيحة والمعلومة المختلطة في الدين، فتجد كثيرا من هؤلاء المتعلمين أيضاً ضحايا للمشعوذين والدجالين؟! ومن الأمثلة التي توضح عجز مخرجات التعليم لكثير من مثقفي المسلمين عن فهم الدين، قصة رسالة خادم الحرم النبي، التي تجدها على زجاج سيارتك بعد صلاة الجمعة في عمان الغربية أحيانا، ويدعي كاتبها أن من لا يوزعها تصيبه مصائب عدة. كنت أقول لكثير ممن يسأل عن ذلك: هل سبق لك أن وزعت مصحفاً؟ فيكون الجواب بالنفي، فأقول له: وهل هذه الورقة أفضل من المصحف؟! إن الله عز وجل لم يلزمنا بتوزيع المصحف ولا يعاقبنا على ذلك، فلماذا نعاقب على عدم توزيع هذه الورقة، بغض النظر عن محتويات الرسالة وصواب أو خطأ ما فيها؟!

ختاماً، أحث مستخدمي شبكة الإنترنت أن يحرصوا على كسب الحسنات، من خلال إرسال الرسائل الموثوقة والصحيحة التي تحث على التعلم والطاعة وحسن الخلق، والحرص على الإيجابية والتعاون مع الجميع في الخير والمباح.

صورة العضو الشخصية
ALI ALQUDAH
عضو نشيط
عضو نشيط
مشاركات: 65
اشترك في: الأربعاء يونيو 11, 2008 12:37

Re: القصاصون الرقميون بقلم أسامة شحادة

مشاركة بواسطة ALI ALQUDAH » الأربعاء يوليو 16, 2008 3:47

على دعاة الفضائيات الحذر والتثبت في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن حديثهم يدخل بيوت ملايين المسلمين.


thanx thats gd

أضف رد جديد

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 30 زائراً