صلفة أبو تايه: رائدة الدفاع عن حق بنات البادية في التعليم

تاريخ الأردن وأبرز شخصياتة
أضف رد جديد
butterfly
عضو جديد
عضو جديد
مشاركات: 2
اشترك في: الأحد أغسطس 22, 2010 1:39

صلفة أبو تايه: رائدة الدفاع عن حق بنات البادية في التعليم

مشاركة بواسطة butterfly » الأحد أغسطس 22, 2010 4:01

بعد خدمة تجاوزت الثلاثة عقود في وزارة التربية والتعليم معلمةً ومديرةَ مدرسة معان الثانوية، تفاجأت بإقالتها من الوزارة، بعدما سكنتها مدرسة معان الثانوية للبنات، واستطاعت أن ترى إنجازها في كسر نمطية المجتمع الذكوري بمعان، ونجحت في تعليم بنات البادية ووضعتهن على درب المستقبل.

كتاب الإقالة المُرّ، جعلها تفيض بذاكرة مليئة بإنجاز مربية فاضلة، يليق بها الاحترام والتقدير، وهي صاحبة فضل وريادة وإنجاز، وقد أتمّت ما كانت تريد، فغدت رائدة تغيير في مجتمعها، ولم تكن خلفيتها البدوية إلا حافزاً على تحدي الواقع.

عندما وصلها كتاب الإقالة بداية العام الدراسي الماضي رغم خدمتها الطويلة تذكر صحيفة الرأي أن طالبات المدرسة اعتصمن وهددن "بعدم الدخول للغرف الصفية طيلة أسبوع ما لم يتم العدول عن قرار إحالة مديرتهن إلى التقاعد، مطالبات بضرورة عودتها"، ذاك الصباح غالبت صلفة دموعها وراهنت على أخلاق طالباتها ومنزلتها عندهن، وطلبت منهن العودة للدراسة حرصا على مستقبلهن وفعلن.

طوت صلفة الأمر، وتمسكت بخيار العطاء، وبدأت عملا جديدا في جامعة الحسين بن طلال، وسجلت في برنامج الدكتوراه في معهد الدراسات العربية بالقاهرة، بيد أنها لم تترك المدرسة خوفا على طالباتها في التوجيهي، وتسعى لدعم دور المدرسة في تغيير المجتمع.

ترى صلفة محمد عودة أبو تايه "أن العمل التربوي مقدس"، ولا تقبل للمدير والمعلم بدور غير قيادة المجتمع، والمدرسة عندها في منزلة بعد الأسرة مباشرة، وهي وإن تحسرت على حل جهاز التعليم راهنا، إلا أنها تؤمن بوجود جيل ما انفك يؤمن برسالة المعلم، برغم كل ما حدث و"جيلنا سيبقى يعطي دونما مقابل".

الراتب الأول الذي تقاضته بعد تخرجها من الجامعة الأردنية كان 75 ديناراً، فكانت أول خريجة علم اجتماع في معان، كونت لديها دراستها في الجامعة الأردنية مفاهيم كبرى في العمل والانتماء، في زمن كان فيه الطلبة مقسمين سياسيا بين أفكار كبرى، وكان الأساتذة أكثر تأثيرا ومجتمع الجامعة منفتحا ومتعددا.

تتذكر الأثر الذي أحدثه بجيلها أستاذ علم الاجتماع سري ناصر "تأثرنا بمفهومه للعمل الاجتماعي، وحاولت أن أطبق مفهومه بعد التخرج". ولا تغفل عن ذكر تأثرها بأحمد ماضي وفهمي جدعان وعصام العلجوني وهاني العمد وعيسى برهوم وإبراهيم عثمان.

كان مفهوم التعليم الجامعي يعتمد على البحث، وكانوا يدعمون الطلبة للبحث في المكتبة والعمل بروح الفريق، وكان الطلبة يعتمدون على المكتبة "كنا نجمع الكتب، ومفهوم مكتبة لكل طالب كان سائدا".

آنذاك كان الطلبة لا يكلّون أو يتذمرون من تكليف الأساتذة لهم بمهام بحثية ميدانية، ففي السنة الأولى كلفهم د.إبراهيم عثمان بعمل دراسة مسحية عن الأحداث في معان والسلط، "ولم نكن نشكو المواصلات رغم أنها صعبة، وكان الدكتور يعزز مفهوم تصميم الاستبانة والتحليل، وكذلك الحال مع د.سري ناصر في عملنا في حي نزال".

بين عامي 1974 و1978 حيث سنوات دراستها عاشت الجامعة الأردنية حقبة غنية سياسيا وفكريا "أذكر اضطرابات الطلبة" والتمييز بين الطلبة كان غير ملحوظ، برغم الخلاف الفكري و"كانت أيام الارض والجيش والاستقلال مقدسة ولم يكن هناك عنف".

تذكر الطلاب والطالبات الفاعلين سياسيا ومنهم "رجاء عبدالرحيم عمر وناهض حتر"، ومن زملائها موسى شتيوي وعادل الطويسي ومها الخطيب ورويدا المعايطة وسيما بحوث وياسر العداون وكليب الفواز وسامح المجالي وأحمد الدريبي وثامر الفايز ومازن القاضي ومشهور عكاش الزبن ومنذر قباعة ونايف زيدان.

سير الناس غالبا ما تضيق بالشخصنة، لكنها مع أم صخر تحكي قصة زمنها وتأثيرها في مجتمعها، فحياة سكن الطالبات كانت تعج بالحراك والجدل "كنا فريقين؛ واحد أردني بزعامتي، وفلسطيني لبنات من الضفة بزعامة نابلسية وكنا نختلف على مرجعيات فكرية ومواقف سياسية، والطالبات كنّ حافظات للتاريخ".

آنذاك الجامعة بدت مرجل فكر وثقافة؛ فزهير النوباني كان يقود المسرح، وناهض حتر يقود الجدل السياسي، والطالبات كن يتابعن أفلام السينما ويحضرن المسرحيات "حضرنا قراءات شعرية لأحمد الشوبكي الذي أصدر ديوان صاحبة المريول الأخضر، وسمعنا عدت مرات لعلي الفزاع".

من 1970 1974- كان هناك مسابقة لملكة جمال الجامعة "فازت بها ليلي الطاهر، وأخذت صورتها ونشرت في مجلة العربي وكان اللباس القصير -المني جوب- منتشرا".

يوم الأربعاء كان يعني رحلة العودة للجفر "أنا أعشق الجنوب"، وسجن بالجفر تعتبره حالة تميز في بيئتها، فهي تراه مقرا للأفكار والسياسة وليس سجنا "للزعران" و"كنت لما أقول أنا من الجفر تتسع عيون الدكاترة علي، ولا اعتبره مصدر إزعاج وخوف بل مصدر عز، وكنا نعتبر الرجال الحقيقيين هم خريجو الجفر".

تميزها كان في التدريس؛ وأولى محطاتها كانت في مدرسة بنات معان الأساسية العام 1978. بقيت لعام واحد ثم انتقلت مرشدة اجتماعية لمدرسة معان الثانوية للبنات.

عينت أول مرشدة اجتماعية بالجنوب، "فما كان من الأستاذ خالد الغزاوي إلا وعارض تعييني بذلك المسمى"، يومها كان هناك مفهوم سائد يرى أن الإرشاد للمنحرفات.

تدخل هيفاء أبو غزالة رئيسة قسم الإرشاد بالوزارة مع زكريا الشيخ أقنع مدير التربية ومديرة المدرسة بوجود مرشدة وحلّ المعضلة، فاستمرت لثلاث سنوات.

أصبحت العام 1982 مديرة لمدرسة معان الثانوية للبنات، وبقيت حتى أحيلت إلى التقاعد العام 2009.

موطن التفرد عندها في قدرتها على تغيير النظرة لتعليم البنات في البادية ومدينة معان، وتحديها كان في مجتمع معان الذكوري "كنت أؤمن بتمكين المرأة اقتصاديا واجتماعيا، وأرى أن الطالبات اللواتي بين أيدينا لا بد من تشكيل شخصيتهن ليصبحن قياديات".

كان عندها قسم داخلي، وهي منفردة بذلك القسم على بقية مدارس المملكة، وهو مخصص لطالبات القرى البالغ عددهن 45 طالبة من قرى البادية الجنوبية، تحمل مسوؤلية طالبات في سن الرابعة عشرة لم تكن المعضلة، بل ضمان استمرار الطالبات في المدرسة وإقناع الأهل بجدوى التعليم.

المدرسة تكفلت بتقديم الوجبات الثلاث والإشراف الكامل، وهذا الحال استمر حتى العام 2009 "بعد أن تقاعدت أغلق السكن وتشكلت مديرية البادية الجنوبية وكنت ضد إغلاق السكن". ومن تخرج من طالباتها هن اليوم طالبات أغلبهن الآن معلمات في مناطقهن.

اعترضتها مشاكل عدة، لكنها استطاعت بناء الثقة مع أهالي الطالبات وحافظت على حقوقهن، وكان الزواج المبكر المشكلة التي تنهي آمال الطالبات في السكن بالمدرسة والتعليم، لذا تدخلت مرارا عندما كان الزواج واقعة لا يمكن ردها.

عملت على التوسط بين الطالبة وزوجها "أقابل العريس وأتفق معه على الخلفة كي ينظموا الحمل لتبقى البنت طالبة معنا في السكن، وأول طالبة افتخر بها كانت بشرى السعادية التي زوجها والدها وهي في الصف الثاني الإعدادي العام 1986، وأنجبت في الصف الثالث الإعدادي، واتفقت مع زوجها على أن لا تخلف وهي في التوجيهي، وأقنعته وأصرت عليها كي تتم التوجيهي، وهي الآن حاصلة على الماجستير، وأذكر أنها عملت مدرسة بمدرسة الجامعة الأردنية وهناك 18 حالة زواج أوصلتهن للتعليم الجامعي".

لا تخفي أن بعض البنات أحبطن، عندما تخرجن ولم يجدن وظائف "صارت البنت تقول خليني أكسب زوج وأولاد وأنا صغيرة، لكن التعليم للبنت كان يعني تعليمها لأولادها فيما بعد".

شاركت في مؤتمر بكين للمرأة العام 1994، وقدمت محاضرات عن تعليم المرأة وحقوقها في البادية، وهي في إصرارها على البقاء في معان وعدم رحيلها لعمان كانت مؤثرة في مجتمعها "كنا نستضيف محاميات ومحامين لتدريب البنات على حقوق المرأة في نواحي البادية ولتثقيفهن في موضوع تباعد الحمل وتنظيمه".

أصعب مواقفها في رحلتها الطويلة كان في الاصطدام مع أهالي البنات من ذوي العقليات التقليدية "معان كانت مثقلة بالنظرة المحافظة، وزمان الحياة الاجتماعية كانت صعبة".

اليوم يحدث التغيير، وهناك من طالباتها أربع عشرة طالبة تخرجن في شهادة الدكتوراه من مدرسة معان الثانوية. وهي حين تذكر الوزراء الذين عاصرتهم ومديري التربية تبدو معجبة بعبدالرؤوف الروابدة، أما المديرون فهي معجبة بمحمد خليل خطاب رحمه الله "كان يعلمن كيف نحل المشكلة ومواجهة التحديات".

العام 1989 الذي جاء بمجلس النواب الحادي عشر أحدث وعيا عند المرأة "المعلمات أصبحن يتحدثن بطلاقة في الشؤون العامة والسياسية".

وهي ترى أن العمل كان في معان أصعب من البادية، وهي وإن قضت 31 عاما بالتربية، إلا أنها لا تشعر بالإحباط "فمن يؤمن بالعمل العام يجب أن لا ينتظر المقابل، وعليه أن يعمل بكل دأب وحب للوطن وأهله".

في خدمتها الطويلة حصلت على الدرجة الخاصة، وقد تكون الوحيدة التي بلغت تلك الدرجة، وبقيت في موقعها مديرة مدرسة، وهي وإن كانت تطمح بالوصول لموقع الأمين العام لوزارة للتربية والتعليم، إلا أنها ترى أنها كوفئت بقرار تقاعدي بعهد وزير التربية الحالي "ولكن "أنا للآن أداوم في المدرسة لأعطي طالباتي نوعا من الأمن العاطفي، فكل شبر في المدرسة أعرفه وفيه تاريخ مشترك".

في مدرسة معان بدأت مبكرا في تطبيق المسؤولية الاجتماعية، وعلمت على مشروع مع الدكتور خليف الطراونة للاقتصاد المعرفي في برنامج الرسم على بيض النعام وتصميم الفيسفساء.

قامت بأعمال خيرية لقرية دلاغة العام 1982، بعهد المحافظ عيد القطارنة. وكانت تمد الناس بالعون كلما استطاعت لذلك سبيلا "لم نترك قرية إلا ودخلناها باسم المدرسة".

اللافت في حديثها قولها إن الإرث التاريخي للعائلة "يكون نعمة أو نقمة خاصة هذه الأيام، ونحن ندفع ثقل العائلة في تاريخ الوطن اليوم" لكنها تضيف "نحن نعرف أرضنا ونحب وطننا وندرك معناه وهو ليس حقيبة".

ولدت صلفة أبو تايه في الجفر العام 1956، والدها محمد عودة أبو تايه كان عضوا في مجلس الأعيان، وبيت الأسرة كان "فيه موازنة بين علاقة الرجل والمرأة".

أما الجفر فكانت بيئة صحراوية جميلة، وذاكرتها التي تعود للعام 1976 تروي الظروف الصعبة "الكهرباء والمياه غير واصلة والغني كان يحضر ماتورا والشيء الأخضر كان مشروع توطين البدو".

في الصف الأول سكنت العائلة معان، كانت أسرة ممتدة بلغت 13 أخا وأختا، وبرغم وجود مساعدات لوالدتها إلا أنها كان تمارس أعمال بيوت الكرام الطيبين في البادية.

تعلمها ووجودها في صدارة المجتمع لم يأخذها عن ممارسة مهام البيت البدوي التقليدية، ولا تخفي خلف ثقافتها تكبرا او زهدا غير مقنع كما حال سير بعض النسويات المعاصرات "كنت أركب البكب، ونذهب للحلب ونعمل الخض والمريس وتقشيد السمن"، وهي ترى أن المرأة البدوية مكتفية ذاتيا، وعندها حرية أكثر من غيرها "تستطيع ان تقري أي ضيف وتستقبل نفرا من الرجال في بيتها وحدها، وتقوم لهم بواجب الضيافة وهذا غير موجود بالمدن، أما عودة أبو تايه فهو حاضر هنا "عودة أبو تايه تبارى هو وأخته عليا بالكرم واستقبال الضيوف".

تزوجت العام 1980 من حسين علي أبو تايه، وأنجبا صخر الذي درس في جامعة الحسين نظم معلومات إدارية، وسلطانة طالبة توجيهي.

اليوم هي مساعد عميد لشؤون طلبة جامعة الحسين "نلتقي بالطالبات والآذنات، ونقدم تقريرا أسبوعيا لعميد شؤون الطلبة"، وأم صخر عضو في مجلس كلية التربية بجامعة الحسين وعضو تجمع لجان المرأة، وعضو مجلس تنفيذي بمحافظة معان، وعضو مجلس المعهد الجمهوري المساندة للبلديات وعضو مجلس مجتمع محلي لمراكز الأميرة بسمة في معان.


أضف رد جديد

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 41 زائراً