القصة الظليلة (في التقنية والإبداع)

قصص و روايات أدبية

المشرف: أريج

قوانين المنتدى
• يمنع وضع اي مواد محمية بحقوق نشر دون موافقه مسبقه من صاحبها
قوانين المنتديات العامة
أضف رد جديد
محمد محمد البقاش
عضو جديد
عضو جديد
مشاركات: 7
اشترك في: الاثنين يونيو 12, 2017 2:35

القصة الظليلة (في التقنية والإبداع)

مشاركة بواسطة محمد محمد البقاش » الاثنين يونيو 12, 2017 9:44

القصة الظليلة
( في التقنية والإبداع )

ظهرت القصة الظليلة في المدينة الولود طنجة، ولا غرابة. فشمس المغرب جارة طريفة مدينة مبدعة. ومن أراد أن يكون مبدعا فعلا، فعليه أن ينتسب إليها، أن يستوطنها، أو يحبها، ويحب أهلها. لقد شهدت طنجة ميلاد هذا الجنس الأدبي بتاريخ 15 أبريل سنة 2004 م.
القصة الظليلة ظهرت لإنعاش الإشفاق على (الكتاب) و(الشعراء) و(المبدعين) الذين يتهمون الشعر القديم في نفسه، ولا يتهمون ذاتهم فيه. فبدل أن يهتدوا إلى قصورهم في فهم الشعر القديم وتذوقه، يتهمون الشعراء الذين ينحون نحو الأقدمين في اعتماد علم العروض، واعتماد اللغة العربية ( القديمة ) باستعمالهم لغة لم تعد مطروقة الآن، وشكلا شعريا تقليديا لم يعد يغري، الشيء الذي يعقد فهم الناس للشعر القديم والجديد الذي يسير على منواله، ويحول بينهم وبين الاستمتاع بشعرنا القديم، و ( الجديد )، ثم إنهم حين يتناولون المقامات لبديع الزمان الهمداني والحريري مثلا؛ يمتعضون منها، وإذا سألتهم عن مضامين المقامات وأسلوب كتابتها والتفنن في اللغة المكتوبة بها، يجيبونك إجابة تنم عن ضعف شديد في فهم اللغة، ومن لا يفهم اللغة كأداة للذوق، ووسيلة للفهم؛ حقيق أن لا يفهم ما تنطوي عليه من إبداع. يستهجنون المقامات لعدم إدراكهم لعلم البديع، إذ يرون فيه قيدا يمنعهم من التحرر المنشود، المفضي إلى التيه للأسف على حد تعبير عبد العزيز حمودة. ثم إن هناك الكثير منهم يقع ضحية مخطط يرمي إلى ضرب العربية، والغريب في الأمر أن جميع مستعملي القلم في العالم العربي، وجميع من يكتب باللغة العربية، حتى أولئك الحقدة؛ يستعملون نفس لغة المقامات ونفس لغة القرآن والسنة مع هجران طفيف لبعض عشرات المفردات.. وهي لغة مطروقة في الكتابات منذ ظهور القرآن والسنة إلى يومنا هذا، ومن هنا كانت القصة الظليلة من جهة أخرى محاولة لحمل القراء الذين لا يتذوقون الشعر القديم أن يقر أوه ناطقا في السرد الممدري، يقرأونه في قالب نثري قصصي ممدري هو القصة الظليلة لعل قراءتهم له فيها تجديد الحياة في ذوقهم الميت، فتحملهم على تذوقه .
القصة الظليلة إبداع ظليل. وهي قصة مستوحاة من قصيدة شعرية منسوبة للحطيئة. هذه القصيدة تتضمن سردا ووصفا، وعقدة وحلا؛ وبداية ونهاية.. بها عناصر صالحة لبناء القصة القصيرة، والقصة الطويلة؛ والرواية..
القصة الظليلة تأخذ اسمها من الظل ، فهي قصة تحمل ظل قصيدة شعرية لصاحبها جرول بن أوس الملقب بالحطيئة، ولولا هذه القصيدة السردية لما كانت هذه القصة، إنها مقتبسة منها. وبما أنها كذلك، فإن ذلك يعني وجود سابق ومسبوق.
إن عناصرها موجودة في قصيدة الحطيئة ، وهذا هو الذي أوجد صلة بينهما، وهو الذي أعتبره ظلا للقصة القصيرة، فكانت القصة ظليلتها، أي ظليلة القصيدة.
وإذن فكل قصة تقتبس من قطعة شعرية، أو قصيدة، تقتبس من بيت شعري، أو بيتين، أو أكثر، يطلق عليها القصة الظليلة. وهذه القصة لا تصلح مثلا فيما يسمى بالشعر الحر، وقصيدة النثر، أو الشعر المنثور، والنثر المشعور، والنثيرة، أو ما إلى ذلك. لا تبنى القصة الظليلة إلا بالشعر الملتزم بعلم العروض، بالشعر الذي يسمى شعرا، ولا خلاف عليه.
وإذا تم تجاوز ذلك، وأريد خلق القصة الظليلة في الشعر الحر، وقصيدة النثر، أو غيرهما، فإن ذلك لا يستقيم، لأنه يكون كتابة نثر بنثر مثله، وهو قبيح، إلا إذا أريد به كتابة نثر فني مقتبس من نثر فني آخر، فهذا لا بأس به، ولكنه لا يعطينا قصة ظليلة، قد يعطينا جنسا أدبيا جديدا يستوعبه الأدب الممدري، جنسا أدبيا يحتاج إلى اسم أنا لست معنيا به الآن، لأنه ليس من بنات أفكاري.
ظهر لي أثناء قراءتي لقصيدة الحطيئة:( وطاوي ثلاث ) أن أكتبها قصة، وأن ألتزم بشيء مما جاء فيها قل، أو كثر، مع إضافات جديدة من صنع الخيال، وكان ذلك أيضا مدعاة لخلق تقنية جديدة. فالقصة الظليلة قصة تحمل ملامح ومواصفات وشروط لا يصح تجاوزها. إنها من جنس الأدب الممدري، وإلا فليست هي بالقصة الظليلة. وشروط كتابتها هي:
أولا: أن تكون القطعة والقصيدة، أو البيت الشعري والبيتين؛ يتضمنان سردا.
ثانيا: أن يلتزم القاص، والروائي بشيء مما جاء في الشعر؛ قل أو كثر.
ثالثا: أن يتم توقيعها من طرف مؤلفين اثنين هما: الشاعر، والقاص. أو الشاعر، والروائي.
هذه هي التقنية التي ظهرت في القصة الظليلة، هذه هي خاصية هذا النثر الفني تحت هذا الاسم، تجنسه فتحدد مكوناته وسماته، وترسم كتابته. تفترض له شكلا خاصا به، وتصنع له قالبه. وهي جنس أدبي جديد سيمتعنا به القاص، والروائي. سيعمد القاص والروائي إلى اعتماد هذه التقنية لكتابة قصة ظليلة، ورواية ظليلة، سيعمد إلى قصائد سردية رائعة، وما أكثرها، للاقتباس منها.
وفي النهاية نستمتع بقصص وروايات ظليلة يشترك فيها مؤلفان اثنان، شاعر، وقاص. أو شاعر وروائي. سنستمتع بنصوص سردية رائعة قد كتب تحتها اسمان، واحد للشاعر صاحب القصيدة الشعرية، والقطعة، أو البيت من الشعر والبيتين الذين تم الاقتباس منهما، والثاني للقاص، والروائي الذي بنى قصته وروايته بشيء اختاره من الشعر السردي. ستكتحل أعيننا برواية، أو قصة قد كتب تحتها:

محمد محمد البقاش محمد محمد البقاش محمد محمد البقاش
جرول بن أوس (الحطيئة) عبد الله بن عمر العرجي لسان الدين بن الخطيب

أبو الطيب المتنـبي أحمـد شـوقي أبو فراس الحمداني
............ .......... ............
ــــــــــــــــــــ
الإبداع الظليل
ـــــــــــــــــــ
الأفق البدين
( قصة ظليلة )
لا يمل السراب الرقص فوقها. يداعب الأسباب والأوتاد ويستمع لعزف الرياح عليها. تخترقه العين، ثم ترتد على آثارها قصصا. لا ترضى لونا بديلا عن بقرة موسى.
قلب خيمة تجلس أسرة يجلدها الجوع جلدا. تشارف أرواحهم التراقي. يتخمون من جلادهم، ثم يعتصون على الطوى .
أسرة هاج اشتياقها للطعام المهاجر. الفقر جرم مقايم يؤزهم أزا، يحاور الأب والابن والزوج. لا يناظرهم، (شوبهم ) يغالبهم رغم نذالته ووضاعته، رغم جبنه وغباوته، بين الحين والآخر يقدم كلبهم فيشاغر عليه، وعلى الجرم، ويسقيهما عطرا.
السماء فوقهم ظليلة بلهيبها. والأرض تحتهم ساكنة بنارها. شظف عيشهم ردف قناعتهم. يتقاسمون الفاقة، ولا يملون المداولة..
بَدُن الأفق فأطلق وليده. قدم مدفوعا بأنزيمات هائجة كأن بينها وبين أنزيمات الخيمة قرابة. وانتصب الشبح كما ينتصب لص الشعوب في واشنطن، عندها وقف ابن أبيه، وركض حافيا نحوه يريد خطف ما جنه، ثم توجه إلى أبيه يقول:
لا تغتم يا أبت.
فرد عليه أبوه :
كيف وهذا ضيف ولا قرى ؟
يا أبت اذبحني ويسر له طعما.
لا سأعتذر بالعدم .
إذن يظن لنا مالا فيوسعنا ذما.
أصبحت حيرتهم كخلايا الدم تطرق الجسم كله بما تحمله من أسى وأسف. بات العربي بخيلا بفقره وعوزه، صار الكريم لئيما، واللئيم كريما..
نادى جرول على ابنه قبل حضور الضيف، وكان قد حفر حفرة وسيعة انطرح فيها وهو يقول له: عجل يا بني وئدني، فسيتجاوز عنك ضيفك لصغرك، ولا يتهمك بالبخل.
التراب يلقى على المنطرح في الحفيرة. الضيف يقترب. الابن يسرع في غيار والده خشية العار. الأم تتخاذل، وتثبط همة ولدها. الطفل لا يبالي. ولما لم يغض أباه في الأرض، وكان الضيف قد وقف على القبر، وشمر عن ساعديه لمساعدة الطفل على دفن قريبه، خاطبته زوج جرول قائلة: " إن زوجي سليم من أفعى، ويعتقد في شفائه بالطمر "، عندها أبدى الضيف معرفته بالشفاء، ورغبهم في خبرته، فترجته الأم، ثم أخرج الضيف جرول من قبره، وطرحه على بطنه، واهتم بثقبين أحدثتهما زوجة جرول توكيدا لصدقها، وتمويها لنابي الأفعى، فشرع الرجل يجرح موضع اللدغ في رجل جرول ويعصرها، ويمتص الدم الملوث بفمه..
أضحى جرول ساعتها تحت سلطان الألم من زوجه، وضيفه، وسلطان العار من فقره وحاجته. كان تحتهما يلقي بنظره في الأفق البعيد، ويتأمل أشباحا أخرى ظهرت له لتزيده ألما وغما، لم يكن يتصور غير ضيوف أخر يقصدون خيمته، ولكنه حين تبين أدرك أنها حمر وحشية تقصد مستنقعا قريبا من خيمته.
تحرر من يد الطبيب الضيف، ونهض مندفعا نحو قوسه وكنانته، وجرى خلفها.
أدرك جرول الفرائس وهي تنهل من ماء المستنقع. رأى حمرا لا تبالي، لو كانت إلى جانب أسد تشاركها منهلها لما نفرت، حمر عطاشى قد أدركت رواءها بعد عناء.
انتظر جرول فرائسه حتى ترتوي، وتأخذ نفسها، وحين اطمأن إلى ارتوائها سدد سهما من كنانته إلى السمينة منها فأصابها.
أقبل على فريسته وهي تفحص برجلها حتى وقف عليها باشا قد ذهبت حيرته، وزالت حسرته..
جر صيده وقد أرهقه اكتنازها، وأعياه اعتثارها..
باتوا كراما قد قضوا حق ضيفهم، فلم يغرموا غرما، وقد غنموا غنما..
بات أبوهم من بشاشته أبا لضيفهم، والأم من بشرها أما.
......................
محمـد محمـد البقـاش
جرول بن أوس ( الحطيئة )

القصيدة التي تم الاقتباس منها للحطيئة هي :

وطاوي ثلاث

وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل ببيداء لم يعرف بها ساكن رسمـا
أخي جفوة فيه من الأنس وحشة يرى البؤس فيها من شراسة نعمى
تفرد في شعب عجوزا إزاءهــا ثلاثة أشباح تخالهم بهمــــا
حفاة عراة ما اغتدوا خبز ملــة ولا عرفوا للبر مذ خلقوا طعمــا
رأى شبحا وسط الظلام فراعـه فلما رأى ضيفا تشمر واهتمـــا
وقال هيا رباه ضيف ولا قـرى بحقك لا تحرمه الليلة اللحمـــا
وقال ابنه لما رآه بحيــــرة أيا أبت اذبحني ويسر له طعمـــا
ولا تعتذر بالعدم عل الذي طرا يظن لنا مالا فيوسعنا ذمـــــا
فبينا هم عنت على البعد عانـة قد انتظمت من خلف مسحلها نظما
عطاشا تريد الماء فانساب نحوها على أنه منه إلى دمها أظمــــا
فأمهلها حتى تروت عطاشهـا وسدد فيها من كنانته سهمـــا
فخرت نحوص ذات جحش سمينة قد اكتنزت لحما وطبقت شحمــا
فيا بشره إذ جرها نحو قومــه ويا بشرهم لما رأوا كلمها يدمــى
وباتوا كراما قد قضوا حق ضيفهم قلم يغرموا غرما وقد غنموا غنمـا
وبات أبوهم من بشاشته أبــا لضيفهم والأم من بشرها أمـــا

الشاعر : جرول بن أوس ( الحطيئة ) .
ـــــــــــــــــــــــــ
محمد محمد البقاش
أديب وإعلامي من طنجة، المغرب.

أضف رد جديد

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 12 زائراً