أزمة الإبداع عند الشباب الأردني
لعل أبرز عامل يرمينا بعيدا إلى ما يسمى بالعالم الثالث، هو غياب الإبداع عند الإنسان الأردني، فنحن نعيش في دوامة أزمة إبداع، فهذا الأخير يعتبر من ضروريات بناء خصوصيات الشعوب، وبناء الثقافات، لذا فهو يعتبر مقياسا من مقاييس تطور الأمم، فعليه تقوم التجارب العلمية والفكرية، فالإبداع ثروة، ورغم ذلك فهو لا يمكن القول بأنه يشكل ترفا بقدر ما يعتبر ضرورة من ضروريات الإنسان.
وأي إنسان مرشح لأن يكون مبدعا في مجال ما، و ما عليه سوى أن يستغل طاقاته، و قبل ذلك أن يكتشف تلك الطاقات الإبداعية.و يمكنه التأثير في من حوله، و يسهم في تطور المجتمع علميا و فكريا.
وللأسف فالإبداع في بلادنا لا يشرف أبناؤه، فقد قل الإبداع، و كثر التقليد الأعمى، فنحن في أزمة حقيقية، في ظل ثورة معلوماتية جارفة، كنا نأمل الاستفادة منها، لكننا وقعنا أسرى في الشبكة العنكبوتية، عوض أن نبحر في الإنترنت إلى بر الأمان، فلم نتحرر من المشكلات المتراكمة التي يعانيها مجتمعنا، أو ما يستشري في جسد مجتمعنا من الأمراض التقليدية، بل أكثر من ذلك انتقلت إلينا عدوى أمراض العصر عبر وسائل الإعلام الحديثة، و يبدو مجتمعنا و كأنه يسارع الخطى للوصول إلى مثواه الأخير، جراء ما أصابه من أمراض قاتلة.
فعوض أن نظهر للعالم خصوصيتنا كشعب و أمة ضاربة جذورها في التاريخ، ارتمينا في أحضان الغرب، و كأن هدفنا هو الذوبان في الحضارة الغربية، و نعتبر تاريخنا وثقافتنا عبئا نحمله فوق ظهورنا، عوض أن نستفيد من ذلك التاريخ والتقاليد لنبتكر و نبدع، و كلما تحررنا من ماضينا أصبحنا أسرى في ثقافات الغرب.
أزمة الإبداع في بلادنا يعكسها الواقع المر، الذي كثر فيه الابتذال والتقليد الأعمى، بينما يغيب الإبداع الهادف، وهو ما يعطي صورة سوداوية عن الأردن، و يقودنا الأمر للحكم على تخلف العقلية الأردنية أو جمودها على الأقل، فأغلبنا يعشق التقليد إلى حد الجنون، و آخرون يكسرون أجنحتهم بدعوى استحالة الابتكار، كما أن شبابنا تعرض لجريمة فكرية، وضعت أمامه شبان لا يملكون سوى صوتا مبحوحا مكنهم من الوصول لعالم الشهرة، بينما وضعت لهم وسائل الإعلام نماذج لشبان أفنوا شبابهم في الدراسة، لكن ذلك لم يشفع لهم في الحصول على عمل! فأطلقت وسائل إعلامنا الموجهة رسالة غير مشفرة تقول "ضع القلم واحمل الميكروفون".
ففي بلادنا العربية يكفي ان تصبح مشهورا بمجرد ظهورك في برنامج مسابقات، بينما أغلبنا لا يعلم بوجود رجل اسمه "مشهور حديثة الجازي" الذي قاد الاردن الى النصر في معركة الكرامة.
لكن أهم ما يقض مضجع الإبداع هو التفكير النمطي، و غياب الخيال والاستكشاف، مما يعيق النمو الوجداني والفكري للعقلية الأردنية، فتموت خصال الخيال والإبداع و يشل التفكير لدى الإنسان.
فالمجتمع الأردني يعاني من أزمة إبداع حقيقية، و هذه المعضلة لن تعرفا حلا إلا حين يستفيق شبابنا من غفوته، و يدرك قيمة الإبداع الحقيقي، و ترك إتباع الغرب في طريقة العيش، و يعيي مسئولونا بوجود أزمة فكرية تتمثل في أزمة الإبداع، وتتوقف وسائل الإعلام عن تقديم الإبداع المزيف المتمثل في الرقص والطرب وتقديم الإنسان "الخاسر" النموذج المثالي للشباب والمثال الأعلى، فنجد هذا "الخاسر" في السينما و الغناء و المسرح و ...
وإن كانت عملية الإبداع فردية فهدفها جماعي، يصبو إلى الرقي والتقدم الحضاري للأمة، فتأثير المبدعين يقل حين تغيب الأجواء الصحية للإبداع في مجتمع تنخره العديد من السلبيات، فمجتمعنا لا يؤمن بالإبداع بل بالحلول الترقيعية.
منقول بتصرف