بين عصريتها و شرقيته/ الجزء الثاني

منتدى خاص بفنون الادب النثرية من مقالة وخواطر

المشرف: أريج

قوانين المنتدى
• يمنع وضع اي مواد محمية بحقوق نشر دون موافقه مسبقه من صاحبها
قوانين المنتديات العامة
أضف رد جديد
تهاني أبو التين
عضو مشارك
عضو مشارك
مشاركات: 10
اشترك في: السبت فبراير 19, 2011 3:43

بين عصريتها و شرقيته/ الجزء الثاني

مشاركة بواسطة تهاني أبو التين » السبت فبراير 19, 2011 8:22

في الأول من نيسان لعام ألفين و تسعة رآها لأول مرة .. اليوم يوم الكذبة .. يوم الدعابات و الكذبات بخفتها و ثقلها .. لكنها لم تكن وهما و لم تكن كذبة .. و للتأكيد .. قرص خده .. ما زال يراها .. و للتأكيد قرص خده الآخر .. ما زال يراها .. لم يصدق .. ظن أن هذه كذبة نيسان التي حضرتها نفسه لنفسه .. كانت تجلس على إحدى مقاعد المحاضرات .. بكل خفة .. أنوثتها ناطقة ..ساحرة رقتها .. أما شعرها فأسودٌ منسدلٌ على كتفيها كماء نهر عذب إفترشت مياهه رمل الشاطئ لها مرفأ .. و عيناها .. آآآآآآه من عينيها .. أسرتاه .. ألقتا به في جزيرة عزلى .. أغرقتاه .. ذبحتاه .. قتلتاه .. نحرتاه .. سبحان الخالقّ!! .. كيف أبدع في نحتهما .. في تصويرهما .. كيف مدهما و رفع بزوايتهما البعيدة مقارنة بزوايتهما القريبة و جعلهما تتماشيان مع إمتداد الحاجب .. ياااااه .. كيف تلمعان .. شعر و كأنهما تبرقان و ترعدان .. نعم ترعدان .. لم يسمع لهما صوتا و لكنه ذاب في عمق الروايات التي ترويهما دون قصد .. رغما عنه .. إنجرف وراء سحرهما .. و بات هناك في سبات عميق ..

دقيقة واحدة .. هزته .. زلزلته .. بركنته .. صدعته .. شقته .. عرته ..

هو الذي لم تحركه أميرة بين النساء .. إنصهر .. تناثر .. تبعثر ..

إستأذنته و سألته إن كان يملك قلما .. أي قلم هذا الذي يملكه .. لقد فقد كل شيء .. نسيه .. ألقاه .. هو الآن خاوي اليدين .. فوضوي الحواس .. خائر القوى .. همجي السلوك .. فاقد التركيز .. هو الآن ذلك اليتيم الذي فقد والديه و وجد الوطن .. ماذا يفعل؟ أيضمه؟ أيقبل عليه بقلب طفل صغير أرهقته الوحدة و آلمه الحنين؟ أم يتظاهر بعدم الإهتمام؟ ماذا يفعل؟ .. لا, لا أملك قلما أنا آسف .. أحمق .. أخرق .. و هذا القلم بيدك ماذا يفعل؟ و الآن تحمل أنت نتيجة حماقتك .. ستتراقص يدك مع هذا القلم .. ستتلاعب به بين أصابعها .. و ستبقى أنت مشتتا .. غائب الذهن .. حاضر الجسد .. و قلبك .. آآآآآآه من قلبك .. سيغليك .. سيشويك .. سيضنيك .. و سيدندن ألحانا صاخبة تثقب قفصك الصدري .. و سيتراقص على أنغام فوضوية .. و أما الأدرينالين .. هاهاها.. فهذا يوم مجده و عزه .. اليوم سيقلبك .. سينهيك .. سيترامي بين جدران شريان و شريان .. و تستقبله خلايا جسمك الثكلى بالترحاب .. اليوم ستهلك ..

سابقته الأيام بأحداثها .. كل يوم سؤال و كل يوم كلمة .. تبادلا أطراف الحديث أكثر من مرة .. في بادئ الأمر كان سطحيا ذكوريا بإعجابه بها .. أما الآن .. فكل هزة زلزلته و أوقعت به أكدت له أنه كان على حق .. و أنه أحسن الإختيار .. هذه هي أميرته .. هذه هي سجانته .. هو أسير هذه ..

نضجت مشاعره على نار هادئة .. لا أخفيكم .. أنها كانت تلتهب بين فينة و أخرى .. يا ترى؟ من يحب الثاني أكثر؟

كانت إنسانة مثقفة .. عصرية .. ذكية .. خفيفة الظل .. جذابة ..

و كان هو إنسانا مثقفا .. مثقلا بهموم الماضي و مآسيه .. كيسه محملٌ بتجارب قاسية اضطر أن يخوض صراعاتها مجرد السلاح .. هو شرقي .. و كذلك لحد ما عصري .. خجلى هي مشاعره .. و أسيرة هي فلسفاته ..

عصريتها فاقت عصريته .. أرهقته إنفتاحيتها .. عصرته .. عصفت به ..

هو أرادها مجردة من إنفتاحيتها المبالغة .. و هي أرادته مجردا من خجله و شرقيته .. أرادته أن يخيط لنفسه أبعادا جديدة تتناسب و أبعادها .. و أرادها أن تتجرد من ثوبها .. و تغير خياطها ..

تؤلمه أن يسمع صدى ضحكتها يحرق فراغ الممرات و يطرب آذان غيره من الرجال .. و تفوق قدرة إحتماله أن يراها تصافح يد أحدهم مداعبة .. و تلهبه فكرة مخاطبتها غيره في مواضيع يراها بمنظوره الشرقي حرز أن تحادث بها الفتاة فتى بحجة الإنفتاحية .. هو لا يرضى أن يشاركه أحدا عذوبة ألفاظها و لهيب أفكارها و عمق فلسفاتها و رنة ضحكاتها و نعومة لمساتها .. هل بالغ؟ هل بالغت؟

صارحها .. رفضته .. فصمت .. ثم صارحها .. فأقنعته .. أنها رغم ذلك كله ملكه .. له وحده .. و لكنها أسيرة إنفتاحيتها .. كما هو أسير شرقيته ..
ماذا يفعل؟

كيف يسمح ليديها اللتين تداعبان غيره من مستغلي الإنفاتحية الأنوثية الغبية أن تداعبا غطاء نومه السحري .. المخملي .. أن تخالطهما دناسة حمقاء .. و كيف يسمح لفمها الذي يروي روايات وضعت ما وراء الخطوط الحمراء مع من جلسوا على عتبة الخطوط الحمراء أن تهمس له .. أن تسأله عن ما يحمله هذا الغطاء من أسرار .. عن ماضيه العتيق .. عن ذكرياته الثملة .. عن طفولته .. عن شبابه .. و كيف يسمح لضحكتها التي شاركه بها غيره .. حفظوها .. قلدوها .. دندنوها .. أن تحرق فراغ غرفته .. و أن تخدش سمع غطائه .. هذا الغطاء الذي سجل أحلى الترانيم .. و حفظ أرقى و أعذب المنشودات .. كم غنت له والدته على ماكينتها .. كم دللته .. حتى أفسده الدلال .. هذا غطاء والدتي .. و هذا إسم والدي عليه .. هذا إرث عائلتي .. ليس لدي الذهب و لا الفضة .. هذا كل ما أملك .. هذا ما أوصتني والدتي به و هي على فراش الموت .. "لا تهمل غطاء النوم المخملي, فقد حبكته ممزوجا بعرقي, و طرزته مغموسا بعذوبة حنجرتي, و كنت كل مرة أغنيه, أبكيه, قرة عيني أبقيه, و حافظ عليه"

كيف ينسى .. لن ينسى ..

أيستسلم لإنفتاحيتها المفرطة؟ أيخضع لشرقيته المتواضعة؟

بين عصريتها و شرقيته .. ماذا يختار؟؟ أين يلقي بنفسه؟؟

عصريتها .. شرقيته .. !!!!

أضف رد جديد

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين وزائران